بائع الهريسة هو ضبوع..! بقلم - نور عامر

تاريخ النشر 10/5/2009 22:30

 

 
صفيق الزاحل. هذا هو اسمه المدون في سجل النفوس . أمّا كيف غلب عليه لقب ( ضبوع ) فهو نفسه لا يعرف تماما، سوى طرطوشة كلام ظلت عالقة في ذهنه من ايام الطفولة ، مفادها انه كان يغدر باصدقائه الصغار . كما غدرت الضبع بالإعرابي الذي أجارها، الحكاية الشعبية المعروفة .
فرص كثيرة فتحت أمامه ليغيّر أخلاقه وسلوكه ويصبح مقبولا في قريته . لكن لدناءة في طبعه ظل يحترف كل
الصفات القبيحة , من كذب نميمة تزوير سرقة وتحرش بالنساء . فصاروا يضربون به المثل حين يجري الحديث عن قرف ما ,
أو فعل مشين .
ويقفز هذا الضبوع من عمل لآخر , كثير النط قليل الصيد . حتى استقر في تجارة صغيرة تختص بالهريسة والحلاوة بجوز  .  فتحسنت ظروفه المادية وأخذ يرتدي أفضل الملابس ويمشي متطاوسا , بينما نظراته السمجة تثقب المارقات .
تسكره الصدور المكتنزة والشفاه المنفوخة بالسيلكون , والأكثر فتنة العذارى الناهدات في بناطيل الجينس المحبوكة على أجسادهن الرشيقة , كتلك التماثيل الجميلة في معبد الملكة حتشبوت . يتمنى لو كلهن عشيقاته وجواريه , فيصبح دون جوان بحق وحقيق .
لكن الفشل يلازمه كالقدر العنيد . فيضيق صدره ويعلل ذلك لسوء طالعه أولا , ثم لسمعته الموسومة بألف علامة استنكار . وإلا لماذا هذا الجحود من بنات حواء ؟! لماذا قذفته الست شهلولة بالحذاء الأورتبيد , بالرغم من أنه أغراها بالكثير من الهريسة والتودد . ولماذا لوت بوزها أرملة المرحوم عزوز الأعرج حين غمزها بعينه البيضاء كعين النعجة في المرعى !
لا ضير من مصارحة صديقه برهوم مما يعانيه من صد النساء , وقد ولع بهن وإيما ولع . وكان ذلك الصديق خبيثا ماكرا فزعم أن الإناث تعشق الشارب الضخم الكبير  يضفي على الوجه هيبة لا بد منها في عملية الصيد ..
ـــ أظن كلامك فيه روح , لكن شعري كسول النمو كما تعلم , فماذا أفعل ؟
ـــ عليك ببول الحمير , والأتان أفضل بكثير, مجرب صحيح .
إستبشر بهذا الخير وراح يجد في الطلب . لكن مشكلة واجهته , فكل الحمير التي حظي بمشاهدتها كانت من صنف الذكور . ومع ذلك لم ييأس , من طلب العلا سهر الليالي . وظل يبحث حتى فتحت طاقة الفرج , حمارة عند فلاح في طرف القرية . لكن غير منطقي أن يطلب من مالكها حاجته , قد يفضحه . إذن ليراقبه حتى يخرج فيتسلل الى الحوش ..
اقترب منها بحذر وراح يمسح على ظهرها بتودد . لم تبد ممانعة , لوت رقبتها ناحيته وعادت تلتهم القش . خيّل إليه وكأنها ترحب بقدومه . اغتبط .. الشغلة ميسرة ع النوايا . أحس بفرح بوهيمي . ليتك من سلالة البشر . قال بصوت خفيض .
أنزل يده الى عجيزتها تحت الذيل مباشرة وصار يلاطفها ويرجو لو تبول للحظتها , كي ينجز المهمة في وعاء أحضره لهذا الغرض . لكن الأتان لم ترتح لهذه المداعبة غير المتوقعة , واعتبرت المسألة وقاحة وتمهيدا للتناسل اللا مشروع ! وهذه إهانة لن تسكت عليها ., رفعت رأسها ونهقت نهقة عظيمة وكأنها تصرخ : واه مغتصباه ! . ثم وبملح البصر رشقته حافرا محكما أعقبته بطلق ناري .
أذهلته المباغتة وصاح : آخ يا بطني , مزعتني السايبة !
وعاد إدراجه يشكو الألم , ويلعن جنس الدواب لا سيما  الشرسة .
وأخيرا وفق الى مادة من الصيدلية تسرع في نمو الشعر . وبعد سنة كبيسة كان يمتلك شاربا كبيرا يميل الى الأسفل , وقد برزت تحته ابتسامة مراوغة لو قيست بمنظور علم النفس لأفصحت أن صاحبها يخفي غير ما يظهر .
وأخذ ضبوعنا يظهر بهذه الصورة في الجرائد والمواقع الإلكترونية , هوايته الثانية بعد النساء . يخربش ويطبخ , مقال رواية تعقيب مسرح . لا يهم المستوى وإن كان زفتا . وبالنسبة للغة التي يجهلها , فقد تعهد له معلم متقاعد أن يقوم بهذه المهمة مقابل مبلغ من المال عن كل طبخة .  
وإذ نعود الى سيرته مع الجنس اللطيف ــ والقادم أكثر تشويقا ــ فإن هذا الشارب الكبير الذي بناه شعرة شعرة , وسهر على صقله وتهذيبه , لم يف بالغرض , لم يجذب الجميلات , اللهم سوى واحدة اعتقد أنها تتأمله . لكنه فطن أنها حولاء ..
أمتلأ ضبوع إحباطا وغيضا وقرر أن يعوض حرمانه في مكان آخر , أن يرمي بنفسه حيث ألقت رحلها أم قشعم .ها هي مدينة حيفا البحرية في اسفل الكرمل تناديه . وهناك العاهرات على قفا من يشيل . مقابل  بعض النقود سيحصل على الكثير من الأفخاذ والأثداء فيولغ ويرتوي . وأخذ يغزو منطقة الهَدار وشارع الملوك فيصول ويجول مع كل صنف ولون .
ومع مرور الأيام بدأ يحس بوهن في قواه الجنسية . فنصحه أحد الفاسقين من نمرته أن يتناول الثوم نيئا كل مساء . وأخذت زوجته الطيبة تتضايق . لقد تجرعت خيانته وطبعه النزق ردحا طويلا غُلب وستيرة ولا غلب وفضيحة . لكن أن تتجشم رائحة سرواله الكريهة كل ليل ثقيل الكواكب ! فهي أصلا لا تطيق الثوم مطبوخا ومبهرا , فكم بالحري أن يتسلل الى أنفها حادا زخما من مؤخرة عريضة لا تقيم وزنا للتفاهم السريري !.
رفعت الغطاء ونهضت متجهة الى الصالون , امرأة معذبة صابرة , جمالها قد ذوى قبل ميعاده , وثمة حزن مترسب في عينيها الواسعتين . تطلعت من خلف زجاج النافذة . الغَبش كئيب متجهم ينذر بمصيبة ما . وأشجار السرو المتطاولة كالعمالقة السمر تبدو مخيفة , تزيد من قلق وتوتر الزوجة . برودة تسري في جسدها . جلست على كرسي الخيزران مهمومة تفكر بالمستقبل الغامض . تتصور مرضا فتاكا يطرق الباب مصدره هذا الزوج الفاسد بمعاشرته للقذرات ! . لم تعد تحتمل هذا الذل وهذا القهر . آن الآوان
كي تنفذ القرار الذي اتخذته , ستهجر البيت مع صغارها . أجل ستنفذ قرارها دون تردد . العقدة المستعصية أخيرا الى حل . تحرك الأمل بداخلها , أحست بأجنحته الرهيفة تلامس أطراف فؤادها المرهق , سويعات قليلة ويشق القرص الأزلي الجميل الفجاج المستكينة , ستضم فراخها الى كبدها وترحل غير آسفة على موضع ذاقت فيه السم والعلقم .
لم يكن خلو البيت من الزوجة والأولاد ليردعه عن الزانيات , خاصة إزيلا توف تلك الروسية الشقراء التي تعجبه أكثر من غيرها , وقد تعلق قلبه بها . لمحت له ذات مرة بأنها تشتهي لسانه ... فنتازيا ..
ــ بكل سرور إزيلا توف حياتي , يا شقفة حلاوة بجوز .
ــ شكرا ضبوعي .
وفي غفلة من أيامه المشبعة بالمحرمات تظهر بثورات غريبة حول فمه وأماكن أخرى في جسمه , كذلك حالات صحية محيرة !
فحوصات وتحاليل ونتيجة مأساوية نزلت على رأسه كمطرقة من الوزن الثقيل . الإيدز . أجل الإيدز حقيقة مرعبة جعلت الدنيا في وجهه سوداء كغراب , مقفرة خاوية كقبر مومياء نقلت الى متحف . تمور الأرض تحته , آلة صماء تفتت أعصابه , تصعد جزيئات الكارثة الى جمجمته : إذن هذه هي نهايتك يا ضبوع , هذا هو الشقاء الأكثر جزعا في دنياك : يا رب السماوات والأرض , يا سيدي
بوفقوس المبارك , يا كل الأدعية المستجابة , أليس هناك من معجزة تنقذني من هذا البلاء .
رفع نظره الى الأعلى , غيوم داكنة تغشى السماء , لا خيط شمس , لا طير يخفق , ولا بارقة بحجم بؤبؤ العين أو حبة خردل .  
بلاط الطريق يشد بقدميه ويثقل خطواته وكأن الجاذبية تضاعفت في هذه البقعة , ملابسه الشتوية تصبح أكثر وزنا . وأخيرا يصل الى بيته الصامت الموحش . تطالعه صورة زوجته وأولاده داخل إطار زيتي غامق . يتنهد بحسرة وينهار على الكنبة المغبرة مخذولا يائسا . ميسم ناري يخترق أضلاعه , قبضة فولاذية تشد على روحه , الهواء حوله يتعفن  , سلك اللامبة المتدلية يتخذ هيأة مشنقة, أرجل الكراسي تتحول الى أجسام تشبه الأفاعي , الحيطان تغيّر لونها تتحرك تتقلص وتأخذ بالإقتراب من بعضها فتكاد تعصره . نكس رأسه مهزوما محطما, وتزامنت دموعه الساخنة مع هطول المطر غزيرا حادا. وانطوت آخر ورقة من ايام بائع الهريسة.
 
اذا طابقت أحداث / اوصاف هذه القصة أحد الأشخاص فهذا محض الصدفة.
 

 

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1787