نظرة في شهيد الفكر والتأمل كمال بيك جنبلاط!!!

تاريخ النشر 16/03/2013 - 09:57:21 am

السياسة إذن ليست شطارة ولباقة ، وشعوذة وانتهازية، أو لعبا على الحبال، كما يتصور بعضهم في عصرنا، ولو أن اللباقة والشطارة المهذبة المخلصة، والذكاء الصادق تدخل من ضمن اللعبة السياسية، وتذكّيها،كما يعدل الملح والتوابل مذاق الطعام،على أن الإنسان لا يستطيع أكل الملح والتوابل صرفا وحدها "،

              أموت ولا أموت فلا أبالي                فهذا العمر من نسج الخيالي 
            هي الأيام تجري في دمانا                أم الحق المكوّن ألف حال؟!
                                                                       
                                المعلم كمال جنبلاط

بقلم : منير فرّو

في شهر آذار فقدت الطائفة الدرزية شخصيتين عظيمتين على مسنوى البشرية، وهما شهيد العلم والعقل، المعلم الفيلسوف كمال بك جنبلاط (16 آ ذار من عام 1977)، ورجل الثورة والبطولة، ومحرر سوريا، المغفور له سلطان باشا الاطرش(26 آ ذار من عام 1982)، القائد العام للثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925، وسيكون له ذكر في العدد القادم انشاء الله .
  
16 آذار عام 1977 كان يوما مشؤوما ليس لأبناء الطائفة العربية الدرزية ، وإنما للإنسانية جمعاء، ففيها سقط رجل العلم والعبقرية، رجل الفلسفة والحكمة اليونانية الإغريقية، والفيثاغورية الأفلاطونية الارسططاليسية ، والهندية البوذية الكونفوشية الغاندية، والأسطورة التيبتية الصينية ، وما تخفيه حضارة الحكمة والحكماء من وراء مرتفعات القمم الثلجية ، قمم جبال همالايا ، حيث بنى ذو القرنين سدّه الشهير، والمصرية الفرعونية،المرتبطة بتوت عنخ امون ، والملك امحوتب وحتشبوت  ورعمسيس ، وهرمس إدريس القرآني المثلث بالحكمة الباني الأهرام لتكون مستودعا ومكمنا لعلوم الكون وأسراره ، لتتجلى فيه الذات الالهية التي هامت بحبها أرواح الصوفيين كامثال الشيخ حسين منصور الحلاج ، وأبو قاسم الجنيد ، وسري السقطي ، وإبراهيم بن ادهم ، ورابعة العدوية ، وحسن البصري ، وذو نون المصري وغيرهم من أتباع المذهب الصوفي التوحيدي ، الممتد من حكمة إخوان الصفا، والبابلية الأشورية الحمورابية السومرية ، الممتدة من بلاد فارس ، وما تحمل في طياتها من أمثال كليلة ودمنة، ثم ما حملته الشرائع الدينية،والرسالات السماوية من اشراقات توحيدية منذ خلافة ادم في الأرض إلى طوفان نوح –ع- إلى عبور سيدنا إبراهيم –ع – ارض كلدان وظهور الأسباط الاثنعشر وقصة النبي يوسف –ع- إلى ظهور النور من طور سيناء ( التوراة ) إلى سعير( يسوع الناصري ) إلى أن تلألأ في جبل فاران (الرسالة المحمدية ) ،

 لقد سقط هذا الإنسان متخضبا بدمه كالأسد الضرغام الذي تحلى بوصفه المتنبي في قصيدة"وصف الأسد" ، ولكن هذا الرجل الذي طالما كره العنف وحمل السلاح ها هي يد الغدر تغتاله بوابل من الرصاص  في مفرق "دير دوريت" اللبنانية حيث كان الشهيد في داخل سيارته المرسيدس مسافرا فنـزف الدم منه إلى ربطة عنقه، فمال بجسده إلى اليسار حيث حمل جانبه كتابه : "نكون أو لا نكون" ،

 تلك العبارة التي أرغم كمال جنبلاط الصوفي والنباتي الذي كره أكل اللحوم أن يرددها أبان ثورة 1958 ضد كميل شمعون حيث قال : " كم هو مجرم هذا الذي اضطرني على حمل السلاح أنا الذي لا أؤمن بالعنف ، ولكن إذا كان الخيار بين العنف والذل فقط فلا مجال لنا سوى العنف " ،

لقد نذر الشهيد كمال نفسه للعلم والمعرفة التنويرية والفلسفة وجعل العقل أسمى هبة وهبنا إياه الخالق فعرّج عن طريق العقل إلى المعرفة فغاص في علوم الفلاسفة اليونانيين والبوذيين والمصريين والصوفيين والهنديين والصينيين ، واقتفى حكمة ووداعة الناصري يسوع المسيح عليه السلام ، فتعلم منه نصرة الفقراء والمعوزين وحب السلام لقول المسيح : " طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون " ، وقد ساهم في إنشاء مدرسة العرفان التوحيدية في لبنان ووضع فكرتها لان المجتمع يرقى بالعلم والمعرفة والتوحيد هو أساس تلك المعرفة الممتدة الجذور منذ القدم والمتقمصة الأدوار الكونية منذ تلك الكلمة الإلهية الأولى : كن فيكن "،

في نظر المعلم الدين يجب أن يكون متطورا وروح العصر وان لا يبقى صنما يقف مكانه لئلا يصبح عبئا ثقيلا على أتباعه لان الله سبحانه كتب لنا الحياة " والإيمان بالحياة هو الإيمان بالتطور فلولا التطور لما كانت الحياة " ويقول : " خطيئتنا الكبرى هي أننا نتطلع دائما إلى الماضي الذي جعلنا منه صنما في هيكل الأصنام الذي نتعبّد ولا يمكن أن ننهض إلا بالأمل وبالنزعة إلى ما فوق الأوثان وما هو فوق المعتقدات والقوميات والعنصريات والتكتلات "،

ان المعلم كمال جنبلاط يرى بأن تأخرنا نحن الشرقيين عن الغرب بسبب دخولنا في تفسير القومية والتي هي مستنقع ضحل تدعو إلى الطائفية والتعصب الطائفي والمذهبي اللذان يولدان البغض والحقد والكراهية ويسببان الفتن والمنازعات التي تشل حركة التطور والازدهار ولبنان أكثر عرضة من غيره لتعدد طوائفه ومذاهبه وعليه يجب التغاضي عن المعتقدات والعنصريات والقوميات والتوحد تحت دستور يضمن حياة مشتركة ذات منهج تعايشي واحد ينصهر في بوتقة واحدة – وحدة وطنية وتعايش مشترك - لقد بلغ كمال في العلم قمة كبيرة فأتقن عدة لغات وجال في البلاد بحثا عن العلم فدخل البلاد غامضة المعتقدات كالهند ووصل الغرب ،

 تسمى بالمعلم، وهذا الاسم لا يمنح إلا لمن بلغ الكمال الإنساني وسما في جوهرية العقل والنفس، وشرّف نفسه عن حب الذات والأنانية، وربّاها على الأخلاق والفضيلة، والبعد عن المادة والشهوات، ففتح آفاقه في معرفة الذات الإلهية، وتبحر في فلسفة علوم الأديان السماوية، وعرف حقيقتها وان الأديان والمذاهب، كالجداول تتجمع لتشكل نهرا واحدا يصب في مصب واحد هو توحيد الخالق، والأيمان برسله، واحترام النفس البشرية وصيانتها من القتل الروحي والجسدي، وتدنيسها بالشهوات البهيمية،

 ومن خلال تأملاته وتفكيره والغوص في ذاته، استطاع أن يؤلف مؤلفات تحمل آفاقا وأبعادا فكرية وفلسفية في علم الروح والبدن والطب والسياسة والآداب، واضعا بذلك قوانين للنفس البشرية لتتلأئم مع قوانين الطبيعة،

 لذلك المعلم الشهيد اتبع منهجا وأسلوبا لحياته في أكله ومشربه، حيث لا يأكل إلا النبات الغير مطبوخ، ومتجنبا المصنعات من الأغذية لأنها سبب الأمراض، ويبحث عن الهواء النقي في الجبال، ويجلس القرفصاء متربعا متبعا رياضة اليوغا، وأما ملبسه فهو أميل إلى الزهد،

 لقد عبّر عن السياسه بأنها يجب أن تكون شريفة لتقود المجتمع الى طريق السلامة،  وذلك عن طريق النخبة الصالحة، دون أن يرشح احد نفسه، ففي حال قيام الفرد بترشيح نفسه أصبح عنده غاية ذاتية قبل أن تكون غاية لأجل المجتمع،

 ففي نظره السياسة إذن ليست شطارة ولباقة ، وشعوذة وانتهازية، أو لعبا على الحبال، كما يتصور بعضهم في عصرنا، ولو أن اللباقة والشطارة المهذبة المخلصة، والذكاء الصادق تدخل من ضمن اللعبة السياسية، وتذكّيها،كما يعدل الملح والتوابل مذاق الطعام،على أن الإنسان لا يستطيع أكل الملح والتوابل صرفا وحدها "،

 فهو بذلك ينظر إلى الديمقراطية الغربية بالسلب لا بالإيجاب، كونها تمنح أسفل الطبقات لان ترشح نفسها، مستخدمة المال لنيل أربها،

 لقد وضع المعلم أفكاره في عدة كتب  منها:  كتاب "أدب الحياة" و" ثورة في عالم الإنسان" و"العلاج بعشب القمح " و"الديمقراطية الحديثة" و"فيما يتعدى الحرف" و " حقيقة الثورة اللبنانية " وغيرها من المؤلفات، التي تحوي أدبا وشعرا وفلسفة،

 لم يكن كمال بعيدا عن مجريات الأمور السياسية في لبنان، والوطن العربي، وحتى في العالم، فقد بنى حزبا تقدميا اشتراكيا لإيمانه بالاشتراكية التوافقية لمصلحة الوحدة اللبنانية، وبعيدة عن الطائفية الفئوية،

 تقلد مناصب في البرلمان اللبناني، وناضل من اجل وحدة لبنان وتقدمه، فلم  يهمه حزبا معينا، بل كان يبدي رأيه لخصومه السياسيين، ويوضح لهم أخطائهم السياسية ليرتجعوا عنها حرصا على كرامة لبنان وشعبه،

 لقد جالس وعاشر معظم الرؤساء والقادة العرب، ورسم لكل واحد منهم صورة في مخيلته، فسمى جمال عبد الناصر بـ "بسمارك العرب"، وياسر عرفات بـ "سبع أرواح"، ومعمر القذافي "مزاجي ما بيتكل عليه، و" سليمان فرنجية "سكران بالفروسية"، ورشيد كرامي "احترق لبنان والأفندي نايم"، وكميل شمعون "خرّب لبنان"،

 لقد وقف كمال مع الوحدة العربية، فوقف إلى جانب جمال عبد الناصر والذي نال الزعامة بفضل تعاليمه الاشتراكية والوطنية، وناصر الشعب الفلسطيني، بعكس معظم الأحزاب والمليشيات اللبنانية، التي اتفقت على ضرب الفلسطينيين اللاجئين في لبنان،

 وقال عن خسارة العرب لفلسطين عام 1948 : "لان العرب لم يعرفوا كيف يتفقون على موقف ايجابي، واضح ولأنهم أساءوا فهم الطائفية اليهودية، ولأنهم غير متماسكين بل متناحرين "،

 ومما يحكى عنه انه دعا بعض زملائه الوزراء إلى مأدبة في قصر المختارة، ففرحوا ظنا انه سيلاقيهم بالمناسف والقوز والقصوص والمشاوي، ولكنهم فوجئوا بمائدة من حواضر البيتـ، زيتونن زعتر، لبنة وبيض، فوجموا صامتين، فانتهرهم قائلا : ما بالكم تحجمون عن تناول زادي، هو عشاء واحد تتناولونه مرة واحدة في حياتكم، فما بالكم بآلاف أبناء الفقراء الذين يكادون لا يجدون مثل هذا الزاد "،

 هكذا قام المعلم بتلقين الوزراء درسا في الشعور الإنساني مع الفقراء والمعوزين، وكأن لسان حاله يقول لرؤساء العالم، أين انتم وصراعكم على المناصب ؟ اهتموا بحال الفقراء والمساكين ومعاناتهم، الذين لولاهم لم تصلوا إلى ما انتم عليه ،

 ويذكر عنه انه بكى عندما رفضت الحكومة اللبنانية طلبه بتعيين 500 معلما، بحجة أن الخزينة خاوية، وذلك لحرصه على التعليم وعدم إهمال الأولاد.

 لقد تنبأ كمال بسقوط روسيا الاشتراكية من سقوط الشيوعية في حال عدم تعديل بعض النقاط ، وهكذا حدث فعلا سقطت وتفردت أميركا  بالهيمنة.

 وأخيرا لا يمكن للسطور أن تف حق هذا الرجل، وستبقى البشرية جمعاء مدينة له لأفكاره وآراءه، التي فيها صيانة الإنسانية من التمييز العنصري  والعرقي والديني،  لأنه دعا إلى دولة تشبه جمهورية أفلاطون الفاضلة,، أو آراء المدينة الفاضلة للفارابي، أو كمدينة توماس مور التي اسماها " اليوتوبيا " وتعني البلد الذي لا وجود له لمثاليته، التي من النادر أن نجدها في عالمنا المادي هذا،

  وستبقى تعاليمه حجة على السياسيين الذين أعاثوا في الأرض فسادا، لإتباعهم سياسة الأهواء والمقاصد، ففرقوا الشعوب بالتلاحم والنزعات الطائفية،  رحم الله الشهيد المعلم .

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.قاريءاقول للكاتب : شكرا لك وسلم الله يراعك .. مقالك حافل بالايجابية .. وفقط ملاحظة ازيد بها ضوءا لما جئت من ان المعلم كمال جنبلاط نظر "بسلبية الى الديمقراطية الغربية " فذلك صحيح ،لكنه كان ينظر بسلبية اشد للديكتاتورية ،وللتوريث الاعتباطي ، وكان عمليا ينادي بالديمقراطية المشروطة والمعتدلة ،غير المنفلتة والفوضوية كما في الغرب .20/03/2013 - 07:42:58 am

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1785