نظــــــــــــــــرة في كــيـــــــان !!!

بقلم منير فرّو,
تاريخ النشر 09/05/2011 - 01:57:59 am

نحن ، قل ما تشاء:  طائفة ،مذهب، امة ،شعب ، لنا كياننا الخاص بنا ، لنا عقيدة ودين ولنا تاريخ  ، لنا تراث ولنا مجد ، لنا ولنا ولنا إلى آخر ما لنا من لنا ، فلا يحق لأحد كان أن يتدخل بشؤوننا ويفرض علينا ما يريد رغما عن إرادتنا .
فلا يحق لأحد كأن  يكون أن يفرض علينا ما تهواه نفسه، ويجعلنا ضحية لأخطائه ، أو يجعلنا نسير حسب ما يشرطه علينا وفقا لما تقتضيه احتياجاته هو ، فكما أننا لا نتدخل بشؤون أحد فلا نرضى أن يتدخل بشؤوننا أحد، فصاحب الدار أدرى بأموره ، و"أهل مكة أدرى بشعابها " .
 فنحن على مر التاريخ حرصنا على أن يكون لنا استقلال ذاتي ، ندير شؤوننا الذاتية به دون تدخلات خارجية، فنعمل بموجب عقيدتنا السمحاء، التي تدعونا إلى احترام الآخرين، الإحسان إليهم، اللطف بهم ونحترم حسن الجوار، فلا اعتداء ولا تعدي بل تصدي لأي هجوم أو اعتداء سافر.
 فثلاث هن أساس كياننا، الدين، العرض والأرض، فأي اعتداء على احدهم فهم خط احمر ولهيب نار.
فعقيدتنا التوحيدية تفرض علينا حفظ بعضنا البعض، بالمؤازرة بالأفراح والأتراح، المآخاة، التواصل، النصرة في الشدائد، بر الضعفاء، معاودة المريض، استغاثة الملهوف، إجابة الدعوات، فالإخوان كالبنيان المرصوص يشد بعضهم البعض،فإذا ضعف هذا البناء انهار البيت مع سقفه،

 والعرض عندنا هو النقطة المركزية التي تتمحور حولها العقيدة التوحيدية وهي المرأة أو الفتاة، التي هي منتج للأولاد وبها يحفظ النسل، فصيانة المرأة هي فريضة واجبة لا يمكن المساومة عليها، وكم من حرب ضروس خاضتها الطائفة بسبب العرض، واكبر دليل على صيانة المرأة قصة " ميثا الأطرش"، ابنة الزعيم شبلي الأطرش، التي كانت سببا لإعلان الدروز الثورة ضد الوالي العثماني ممدوح باشا، الذي طلب الاقتران بـ "ميثا" لحسنها وجمالها، عندما شاهدها  من خلال زيارته لبيت والدها شبلي الأطرش، في جبل الدروز، ووعده شبلي أن يرسل له الجواب، فجمع شبلي أبناء الجبل لاستشارتهم في طلب ممدوح باشا، واضعا سيفه إلى جانبه وكان يقصد بذلك أن يقطع رأس كل من يوافق على تزويج ابنة الجبل " ميثا" لممدوح باشا لكونه ليس من مذهب الدروز، فقامت الصيحات معلنة الحرب على ممدوح باشا بقولهم : "النار ولا العار"، فلما وصل جواب الرفض إلى ممدوح باشا، أرسل جنوده المئات تلو المئات، والآلاف تلو الآلاف لمحاربة الجبل واخذ "ميثا" رغما عن انف الدروز، فما كان من أشبال بني معروف الاغيار إلا أن سحقتهم عن بكرة أبيهم، تاركة له فقط المخبرين عما فعل الدروز بجنوده، ولكن انتهت الحرب إلى ابعد من هذا، حيث تم إعدام ممدوح باشا بأمر من السلطان العثماني، في الأستانة، لأنه تعرض لشرف الدروز.

 والأرض هي حياتنا وفيها مماتنا وعليها وجودنا وبقائنا، فعملنا فيها وأكلنا من خيراتها ولم نشعر يوما أننا بحاجة لمن يتكرم علينا ويطعمنا أو يحمينا فاعتمادنا على الله ، والدفاع عن الارض لا يقل عن الدفاع عن العرض، لان الأرض والعرض شيئان لا ينفصلان كالروح والجسد لا ينفصلان إلا بالموت، فالأرض نصونها بأرواحنا، ولا يمكن أن ندعها تأخذ منا قسرا أو غصبا، فلكل شيء ثمن ولكل مشكلة لها حل، وعندما تتعسر الحلول فلا حل سوى الحديد، ونحن اليوم قادمون على أصعب القضايا في البلاد وهي الأرض، والدولة باعتقادها واعتقاد من جعل وجودها عصبا لعقيدته المخترعة الملفقة والمحرفة لأصول الأديان، المخالفة لما شرعه المليك الديان، الظالمة لحقوق الإنسان،الجالبة الدمار،الهتك والفتك،الغش والسلب،النفاق والكذب،القتل والحروب، العنصرية العمية والبغضاء والكراهية بين الأمم والشعوب، بأنها لشعب واحد وقومية واحدة وجنس واحد، لا يمكن لشعوب أخرى أن تسكنها سوف يؤدي إلى طريق اللا سلم ولن يكون هدوء ولا استقرار لأي إنسان في هذه المعمورة، وهذه لا بد أن تكون سببا للنهاية المحتوم عليها في كل الأديان، والتي ستكون بسبب عتو واستكبار من حرّف الأديان وخالف  نصوصاتها وجعلها غاية لأهوائه كالرأسماليين والعلمانيين والشيوعيين وأمثالهم ممن اعتمدوا نزع الإيمان من قلوب الناس ، فقام على  عبيد الرحمان بطردهم من مقاطنهم وهدم منازلهم والسلب والنهب لممتلكاتهم ،فلا يرحم  رضيعا ولا طفلا ولا امرأة ولا شابا  ولا رجلا ولا شيخا ولا عجوزا، بل مثله عندهم كالبهائم الضالة بل البهائم لها حق السكنى والبقاء، وكما قال تعالى عن أولئك : " ءالله أذن لكم أم على الله تفترون،وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم أن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر هم لا يشكرون... ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون،الذين ءامنوا وكانوا يتقون،لهم البشرى فى الحيوة الدنيا وفى الأخرة لا تبديل لكلمت الله ذالك هو الفوز العظيم.

وكنا عندما نشعر بأن هناك أيادي غريبة، تريد أن تتدخل بشؤوننا كنا نتفض انتفاضة الليث الذي لا يريد من ينازعه على عرشه الملكي ، فنخوض حربا ضروسا وننقض على من يكيد لنا المكائد، مستغلا حسن نوايانا وطيبة قلوبنا وكرمنا الحاتمي وبساطة مأكلنا وملبسنا ومسكننا ،  فيظن أننا امة يسهل الدخول إليها والعبث في بنيتها بكل سهولة ، وبعد أن نسمح له بدخول بيتنا والأكل من زادنا والمرح في ساحة بيتنا ، نراه يعمل حسابات بعيدة كل البعد عما نفكر بها ، وحتى لم تكن لتخطر ببالنا ،لأننا لم نصنع معروفنا مع أحد لنحصل على مقابل ، بل دائما نعمل المعروف مع الجميع حبا بالمعروف ورغبة به .

 وأقرب مثلا لنا: هو جماعة النحل، التي تأخذ أحسن شيء في الأزهار وهو الريحق ، متحملة العناء والتعب وقطع المسافات، وما تلقاه من مخاطر لتجني عسلا شهيا " فيه شفاء للناس" ، فهي لا تريد على عملها جزاء بل تريد استقلالها ومنحها الحرية لتتدبر شؤونها ، وتعطي الخير للإنسان وكل إنسان على حد سواء ، دون تمييز بين أبيض أو أسود ، وبين شرقي من بلاد الشرق ، أو غربي من بلاد الغرب ، إنها ولدت فقط للمنفعة ، ولكن إذا جاء من يستغلها لأجل أطماعه الشخصية  ويفرض عليها قوانين وشروط لتلائم مصالحه ، ويجعلها تعيش في بيئة غير بيئتها ، ويتحكم بمأكلها ومشربها ، ومما تصنع بيتها ، وذهابها وإيابها ، دون الاكتراث لما يحدثه من إزعاج لهذا الكائن اللطيف، فإنها سوف تقتنص الفرصة المناسبة لتأذيه ، فتتوحد تحت راية واحدة وملكة واحدة لتنتقم منه ، لتسترد ما أخذ منها من حرية واستقلال لتعود على ما اعتادت عليه ،  بالرغم مما يلبسه من درع واقي وسلاح لإخضاعها له وتسخيرها حسب احتياجاته .

 هكذا نحن أينما نكون نبني لنا حصنا منيعا وقلعة صمود أمام من يعتدي علينا ، ويهين كرامتنا ، ويسلب لنا الأرض ويهتك عرضنا وديننا ويمنع لنا حرية الحياة التي ليس فيها تعد ، كما كان مصير إبراهيم باشا، ابن محمد على باشا، والي مصر، في حملته على جبل الدروز في سوريا، وأيضا مصير الغازي الفرنسي نابليون بونابرت وغيرهم الكثير، وهو الفشل المحتم وموت الزعاق ، لأنهم لم يدخلوا البيوت من أبوابها، بل أرادوا دخول البيوت بالقوة والطرد والقمع وسلب الحقوق والاستخفاف بمصير الضعفاء الأبرياء، الذين لا يريدون في الأرض علوا ولا استكبارا، بل يعتمدون على مقولة أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لمن أراد استعباد الناس وقهرهم دون مبرر، وهي : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا "، فهذا كلام بسيط لكنه يحمل داخله معنى بليغا .

 وحصننا هذا بالرغم من مناعته وصلابته يحتله من كانت صفاته من صفاتنا ، وتفكيره من تفكيرنا ، ونواياه من نوايانا ، لأننا لم ولا  ننوي الشر لأحد ولكن هيهات من يقدر لنا تلك النوايا ، بل تراه يحاول الفتك بنا وتمزيق صفوفنا وهتك عرضنا والنيل منا بكل طريقة ممكنة ، مع أنه يعلم علم اليقين أنه يقدم على شيء لن ينال منه سوى الاهانة ، المذلة ، الاحتقار والتخسيس لوضاعة ما يعمل مع امة خيرة ومحترمة، تتحلى بكل صفات المروءة ، الشهامة ، العزة ، الكرامة ، الصدق ، الوفاء ، الإخلاص ، حماية المستجير ، ومع كل هذا ترانا نجني له ثمارا طيبة ، كما تقول شجرة جوز الهند عن نفسها : "يرمينني الإنسان بالحجارة وأرميه انا بالثمارة ".

  إن مثل هذا حدث للدروز في زمن أديب الشيشكلي الذي قام بانقلاب عسكري في سوريا سنة 1949 ، حيث أطاح بسامي الحناوي والذي الأخير أطاح أيضا بحسني الزعيم ، وبذلك يكون حدث ثلاثة انقلابات في سنة واحدة ، فقد مارس الشيشكلي حكما ديكتاتوريا على الشعب السوري مما دفع الشعب العمل على التخلص منه ، فقام الشيشكلي باعتقال المتآمرين عليه  ، وكان من بينهم منصور الأطرش إبن قائد الثورة السورية الكبرى ،الزعيم الدرزي وزعيم جبل العرب سلطان باشا الأطرش ، وقد كان منصور أحد الأعضاء البارزين في حزب البعث ، ولكن الشيشكلي أرسل منصور الى والده محاولا استرضائه ، فما كان من سلطان إلا أن قال لرسول الشيشكلي : "أنا لم أطلب إلى الشيشكلي حرية ولدي ، إنما أطالبه بإطلاق حرية البلاد ، وحرية أحرار البلاد ، وقل له أن يتنحى عن الطريق الذي سلكه ، ويترك الحكم لمن هو أجدر وأكثر إخلاصا منه" ، ولكن حدث أن أنذر سلطان الشيشكلي مرة ثانية ، حين حضر إلى أرضه في (حزحز) ، وكان جالسا على الأرض فاحتار الشيشكلي أين يجلس لعدم وجود كراسي هناك ، فقال له سلطان :"اقعد على الأرض يا أديب . فنحن افترشتاها اثنتي عشرة سنة .أنت ألان رئيس دولة نالت استقلالها بفضل نضال المجاهدين والوطنيين  ودماء الشهداء . فعليك تكريم أحرار البلاد ، والمحافظة على الأمانة ، وعدم استغلال السلطة " ، فاحتدم الأمر بين الدروز وعلى رأسهم سلطان ، وبين الشيشكلي ،  وأصر الشيشكلي على أن يحصل على تأييد لحكمه يعلنه سلطان بالذات ، إلا أن سلطان بقي مصرا على رفض إعطاء المستبد براءة عن أعماله ، وتغطية معنوية لحكمه ،عندها شبه الشيشكلي أعداءه بالأفعى رأسها في جبل الدروز،  ومعدتها في حمص ، وذنبها في حلب ، فإذا سحق الرأس ماتت الأفعى ، ثم أعلن الحرب على الدروز ، وأقام المجازر في الجبل ، وحاصر بيت سلطان مما دفع سلطان إلى الفرار إلى الأراضي الأردنية متجنبا ومتفاديا إدخال السوريين في حرب أهلية دامية ،  لأن الحرب اليوم ليست ضد الفرنسيين وإنما مع الجيش السوري وأبناء الوطن الواحد ، وعلى إثر المجازر التي ارتكبها الجيش في الجبل والقرى الدرزية والسويداء وبأمر من الباغية الشيشكلي ،  هبّ الدروز في لبنان وإسرائيل مطالبين الجامعة العربية والدول العربية بقمع هذه الطاغية لمنع الفتنة الأهلية في سوريا وبالتالي ضياع الوطن واستقلاله .

 وأخيرا استطاع الدروز إقناع ضبّاط  الجيش السوري بالانقلاب على الشيشكلي ،  مما أدى إلى هروبه من سوريا إلى السعودية ومنها إلى البرازيل ، حيث أقام في مزرعته هناك ، وما لبث الى أن لحقه الشاب المعروفي الغيور نوّاف غزالة من قرية ملح السورية ، بعد عشر سنوات وقتله إرضاء لدم الشهدآء الدروز الذين قتلهم الشيشكلي ، وأعيد سلطان معززا مكرما وكانت كلمته: "إني أذكركم بان الثورات المتعددة التي قدمتم لها خير أبنائكم ، لم تكن إلا وقوفا في وجه الاستبداد والضيم ، وما هذه الثورة إلا برهانا على أننا لن نخضع للقيود التي يراد بها تكبيل شعبنا الأبي " ، هكذا أعيدت الكرامة لان يد الظلم دائما قصيرة لا يكتب لها البقاء مهما طال أمدها .

 هكذا يجب أن نكون في كل مكان، تجمعنا الوحدة والعقيدة وحفظ الجار ولا ندع أحدا  يعتدي علينا مهما كلفنا الأمر، وإلا أصبحنا مدوسة للأمم، الباغية، الطاغية، المتجبرة والمتكبرة،  نهان، يبصق علينا، ،تهتك أعراضنا، تسبى نسائنا، تستحل أموالنا وأراضينا، وعندها نكون نسيا منسيا، لا احد يرحمنا ولا احد يعطف علينا، لأننا نحن أولى بالعطف على بعضنا وصون أنفسنا، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه .

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1815