لا حياءَ لمنْ تنادي

تاريخ النشر 3/5/2009 11:04

 

بقلم: نادر أبو تامر
 
كنا نقول لا حياة لمن تنادي، ومع اصطدامنا بظواهر جديدة من "إدارة الظهر" لك ولوجودك ولدورك وكأنك "صفر حافظ منزلة"، فصرنا نردد عبارة لا حياء لمن تنادي!
هذا ما حدث معي قبل يومين. ترددت هل أكتب أم لا. وقررت الكتابة لأنني أرجو أن هناك فائدة.
وصلتني رسالة من المستشفى. طلبوا مني إجراء فحص. اعتزمت التوجه إلى صندوق المرضى. (الاسم غير مهم، والمكان غير مهم، والتفاصيل المملة غير مهمة...). اتصلت فردّت علي الموظفة بكل ثقة وأدب وتهذيب: أستاذ نادر، نحن نستقبل الجمهور حتى الساعة الثانية من بعد الظهر في هذه الوردية. ولما كانت الساعة تقارب الواحدة والثلث والأولاد ينهون الدوام في الثانية والربع قررت التوجه إلى هناك. وليتني لم أفعل.
صعدت الدرج إلى السكرتارية. لم يصادفني أحد. قلت إن الأمور مسهلة ولن أتأخر. دخلت إلى غرفة السكرتارية فكانت خالية تمامًا. الهواتف ترن ولا أحد يجيب، لأن لا أحد موجود. وما زلنا وسط الدوام. انتظرت عدة دقائق والانتظار من أشد ما يقضي على الصبر عندي. انتظرت دقائق إضافية. فكرت أنه ربما هناك موظفة ودخلت إلى أحد المكاتب. البناية تكاد تكون خالية. أطلت طبيبة من غرفة بعيدة ولاحظت أنني أحوم حول الطاولة، فحاولت أن أكظم غيظي، ولم أعبر عن استيائي. أين الموظفون في ساعات الاستقبال. أنا والحمد لله لست مريضًا، وكلّ ما في الأمر أنني أريد نموذجًا للمستشفى. وبدأت أفكر بالمرضى والعاجزين الذين لا يقوون على صعود الدرج. فيصعدونه للبحث عن تلبية حاجيتهم وقد لا يجدون أحدًا. وربما يجدونه لكنه لا يعيرهم اهتمامًا، ولا ينتبه لوجودهم. كنت اعتقد أن صناديق المرضى أكثر رأفة لأن المتوجهين إليها هم من المحتاجين للعلاج والعناية والرعاية والتشجيع والدواء. مرت دقائق أخرى. طال انتظاري. مرّت عاملة فسألتها عن الموظفين. أجابت بأنهم قد يكونون في إحدى الغرف. ذهبت وتفقدت فوجدتهم. ولفتت نظرهم إلى أن هناك من ينتظر أن يقوموا بمعالجة طلبه. لكن، لم يتزحزح أحد من كرسيه. ومرَّت دقائق أخرى. كادت فترة انتظاري تصل إلى نصف ساعة، وأنا وحدي بين السقف والبلاط في كل فضاء العيادة.
عادت الطبيبة من جديد وأطلت برأسها من غرفتها فسألتها: أين اختفى الموظفون... ألسنا في وقت الدوام؟ ثم إنني قد اتصلت خصيصًا للاستفسار حول هذه المسألة، وإلا لم كنت قد أتيت إلى العيادة.
تركت غرفتها مشكورة وذهبت إلى الموظفات وقالت لهم إن هناك مَن ينتظرهم منذ أكثر من نصف ساعة، فلماذا لا يعالجون أمره، هل نحن بحاجة إلى وجود صحافة لكي تفضح الطابق، كما قالت، بينما كانت الهواتف ما زالت ترن وترن ولا حياة لمن تنادي.
وأخيرًا جاءت النجدة المنشودة. خرجت موظفة من غرفة. شعرت بإحراج طفيف للغاية. بل كنتُ أنا محرجًا أكثر منها لأنني أخرجتها من الغرفة المجاورة، فربما كانت ترغب في البقاء هناك.
ثم اتضح أنها لا تملك مفاتيح الصندوق. وحين أعطيتها ورقة نقدية من خمسين شاقلا، وكان من المفروض أن تعيد إليّ نصفها، استماحتني عذرًا بأنها لا تستطيع. فمفاتيح الصندوق وغرفة المدير ليست بحوزتها. ثم "دبّرت حالي" ووجدت في جيبي المبلغ المطلوب وأعطيتها إياه. سلمتني النموذج المطلوب فشعرتُ بأنني أفسدت عليها متعتها.
في هذه الأثناء أخبرتني الطبيبة أنه يوجد اجتماع كما يبدو، وجميع المتواجدين في العيادة من موظفين وعاملين يشاركون فيه. فسألتها: إذن لماذا تردون على الهواتف وتؤكدون أن ساعات الاستقبال حتى الساعة الثانية... استغربت وغادرت.
من هذه الحالة لا أستطيع التعميم. خصوصًا وأن مدير العيادة ساعدني أكثر من مرّة في أكثر من طلب. لكن، ماذا بالنسبة للمرضى الآخرين، وكيف يتعاملون معهم، وهل يجب أن ينتظروا على ما نهاية، ولماذا لا نبذل قصارى جهدنا لمساعدة المسنين والمرضى والمحتاجين. اهتموا أكثر بمَن يحتاجونكم، بمن يريدون منكم مساعدة، ولو طفيفة، فأنتم هناك لتساعدونا وتأخذوا بأيدينا. هل هذه الحالة في باقي العيادات والمكاتب أم في المكان الذي توجهتُ إليه فحسب.
على أية حال، شكرتُ ربّي لأنني لستُ بحاجة للتوجّه إلى العيادة بوتيرة كبيرة. مرة واحدة كانت كافية. لا حياء لمن تنادي.

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1730