يعقوب حجازي: نفتتح المؤتمر كرافعة للحركة الأدبيّة الفلسطينيّة. عمر نصّار: هذا الحدث الهامّ يجب أن يتحوّل لتقليد ثابت تستضيفه بلدنا عرّابة بفخر واعتزاز. محمّد بركة: هذا المؤتمر الثقافيّ وبهذا الحضور المهيب عمل كبير يأتي ردًّا حضاريًّا على ما يستشري في مجتمعنا من عنف وجريمة وسلاح سلطويّ. سعيد نفّاع: المؤتمر الأوّل تجذير وتوحيد لحركتنا الثقافيّة الفلسطينيّة ولا ينحاز لغيرها وهو صمّام بقائنا الفلسطينيّ المميّز على هذه الأرض. إبراهيم طه: الأدب الفلسطينيّ يتألّق طولًا وعرضًا وعمقًا وسط هذا الالتفاف الجميل حول مشروعنا الثقافيّ، فهو أدب فلسطينيّ جميل وصادق ويصدّر للعالم قيمًا إنسانيّة وأخلاقيّة وجماليّة عالية.
جاءنا من الناطق الرسميّ للاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل 48، الشاعر علي هيبي: بحضور غفير، نوعيّ ولافت من أعضاء الاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين وأصدقائه ومن قرى الجليل والمثلّث ومدنهما وبحضور وفد رفيع من أدباء الجولان السوريّ العربيّ المحتلّ، وبروح وثّابة لنشر ثقافتنا الوطنيّة وأدبنا الفلسطينيّ ومن قلب مثلّث يوم الأرض، في مدينة عرّابة البطّوف استهلّ الاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين وبلديّة عرّابة المؤتمر الثقافيّ الضخم والاوّل من نوعه منذ ثلاثة عقود، استهلّ اليوم الأوّل من أعماله وفعاليّاته في قاعة المؤتمرات، في المبنى الجديد لبلديّة عرّابة البطّوف صباح يوم الجمعة الفائت الموافق ل 11/10/2019. فقد غصّت القاعة بالمئات من المشاركين من الأدباء والمثقّفين ومن كافّة الشرائح الاجتماعيّة ومن كافّة القرى والمدن في الجليل والمثلّث، وقد حظي المؤتمر بتغطية إعلاميّة مكثّفة، إذ شارك الكثير من وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونيّة وشبكات التواصل الاجتماعيّ في تغطية هذا النشاط المميّز.
وممّا يجدر ذكره أنّ المؤتمر وعلى مدى يوميْن كامليْن قد تناول محورًا أساسيًّا بالبحث والدراسة هو "الأدب الفلسطينيّ من منظور ثلاثيّ الأبعاد: الطول والعرض والعمق"، وقد غطّى المؤتمر بمحاضراته القيّمة التي قدّمها محاضرون بارزون من العاملين في الجامعات والمعاهد العليا في بلادنا، غطّى مساحات وأبعادًا زمكانيّة واسعة من تاريخ أدبنا الفلسطينيّ على كافّة أماكن تواجد شعبنا في الداخل والضفّة والقطاع والشتات، ويشار إلى أنّ البروفيسور إبراهيم طه الذي شغل منصب رئيس قسم اللغة العربيّة لسنوات عديدة في جامعة حيفا ولخبرته في مجال الإعداد والتحضير لمؤتمرات أدبيّة وثقافيّة، وهو أيضًا عضو الاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين هو الذي رئس هذا المؤتمر، وكان المسؤول عن تنظيم موادّه ومبناه الموضوعيّ، ولكنّ المؤتمر كان بإدارة الأمانة العامّة للاتّحاد العامّ للأدباء، فهم الذين قاموا بالإعداد والإعلام وسائر النشاطات التي سبقت المؤتمر لضمان نجاحه بالشكل الذي يليق بمستواه المضمونيّ. وقد أدار عدد من الأديبات من أعضاء المؤتمر جلساته المتتالية حتّى موعد إغلاقه وإنهاء أعماله عصر يوم السبت الموافق ل 12/10/2019.
وكان الكاتب يعقوب حجازي عضو هيئة رئاسة الاتّحاد العامّ قد افتتح المؤتمر بكلمة ترحيبيّة للحضور الكبير، ولكلّ من ساهم في الإعداد والتحضير من أعضاء الاتّحاد ولرئيس بلديّة عرّابة على الاستضافة والمساندة لهذا الحدث الكبير، وللمشاركين من المحاضرين الإجلّاء وكذلك لبروفيسور طه على تولّيه باستحقاق رئاسة المؤتمر، معتبرًا أنّ هذا العمل كما يبدو من اللحظات الأولى لافتتاحه سيكون رافعة حقيقيّة، متقدّمة لنشاطنا الثقافي ّعامّة وعاملًا مساعدًا على انتشار الاتّحاد، وذلك بانتماء الأدباء لعضويّته، وبخاصّة بعد الوحدة والاندماج في اتّحاد واحد.
أمّا السيّد عمر نصّار رئيس بلديّة عرّابة، قلب مثلّث يوم الأرض وكبلد مضيف فقد رحّب بالاتّحاد العامّ وشكره على مجرّد اختيار عرّابة لاستضافة هذا العمل الوطنيّ والثقافيّ الجبّار، وبعد ترحيبه بالحاضرين، أعرب رئيس البلديّة عن استعداده واستعداد البلديّة لاستضافة هذا المؤتمر كلّ عام بعد أن يتحوّل لتقليد سنويّ، تعتزّ عرّابة وتفخر به كإنجاز ثقافيّ ووطنيّ عظيم يخدم مجتمعنا ويدرأ عنه الأخطار المحدقة به من عنصريّة مستشرية ومن عنف له انعكاساته السلبيّة على مجمل حياتنا الاجتماعيّة والسياسيّة، وعلى النسيج الاجتماعيّ والأخلاقيّ الذي يجمعنا.
وفي كلمته أمام المؤتمر بارك السيّد محمّد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة المؤتمر الثقافيّ والعاملين على انعقاده وإنجاحه، ونقل تحيّات لجنة المتابعة لهم، وقد أشاد بركة بالوحدة بين الاتّحاديْن وتوحيد الصفوف إذا كانت النتيجة مثل هذه المؤتمرات المميّزة بعطائها وإثرائها، ومعتبرًا أنّ هذا المؤتمر وسائر الأنشطة الثقافيّة من أدب وفنّ وعلوم تشكّل سلاحًا قويًّا بأيدي مجتمعنا العربيّ الفلسطينيّ ضدّ السلطة والعنف الذي تغذّيه في مجتمعنا على شكل سلاح وجريمة ومخدّرات وغيرها من الموبقات، فالثقافة الحضاريّة هي الردّ على مثل هذه السياسة الهمجيّة.
وقد ألقى الكاتب سعيد نفّاع الأمين العامّ كلمة الاتّحاد، وقد كانت جامعة لكلّ ما سبق المؤتمر من تحضير وإعداد وإعلام وأعمال مضنية، كانت مقدّمة لهذا النجاح الباهر، وقد كانت كلمته أيضًا عبارة عن بيان الاتّحاد للمؤتمر خاصّة وللرأي الثقافيّ العامّ عامّة، وقد أشاد فيها بدور أعضاء الأمانة العامّة الذين جدّوا وكدّوا من أجل هذه النتيجة، ومن ثمّ تحدّث عن المؤتمر الثقافيّ الأوّل كنشاط يجذّر ويرسخّ ثقافتنا الوطنيّة التي لا ينحاز المؤتمر إلّا لها ولشعبنا ووطننا، ويأتي كنشاط لافت ونتيجة طبيعيّة لوحدة الحركة الثقافيّة، التي ترسّخت بعد الاندماج والوحدة بين الاتّحاديْن: الكرمل و48، وقد دعا نفّاع كلّ الأدباء الغيورين على حركتنا الأدبيّة إلى الانضمام والانتساب للاتّحاد وعدم عرقلة هذه الوحدة بحجج واهية وعلل بائسة، فالاتّحاد اليوم هو الراعي الحقيقيّ لحركتنا الأدبيّة والثقافيّة والعامل الأساس في اتّساع وترسيخ حراكنا الثقافيّ، من خلال الأمسيات والندوات والنشاط في المدارس ومن خلال صوته المكتوب مجلّة "شذى الكرمل".
أمّا كلمة المؤتمر فكانت من نصيب رئيسه البروفيسور إبراهيم طه الذي أشاد بالافتتاح المهيب للمؤتمر بهذا الالتفاف الجميل والمشرّف حول ثقافتنا الفلسطينيّة، فالأدب الفلسطينيّ جميل وصادق، وهو يتألّق ويسمو طولًا وعرضًا وعمقًا بما يحمله للعالم من قيم اجتماعيّة، أخلاقيّة وجماليّة، وقد اعتبر الأستاذ طه المؤتمر تظاهرة ثقافيّة وحضاريّة مشرقة ومشرّفة، وطالب القيّمين من أعضاء الاتّحاد العامّ للأدباء على الإعداد والتحضير والنجاح على هذه الشاكلة، طالبهم بمواصلة الجهد بالجهد من أجل الاستمرار في هذه المشاريع الضخمة، فليس بقادر على ذلك إلّا الاتّحاد الذي يشكّل رافعة لإنجاز وإنجاح مشروع ضخم كهذا المؤتمر، الذي يسدّ فراغًا ثقافيَّا لا تملوه ندوة هنا أو أمسية هناك، مع الاحترام لكلّ مجهود طيّب مهما صغر أو كبر. وبكلمة الأستاذ طه أقفلت الجلسة الافتتاحيّة للمؤتمر.
أمّا الجانب الموضوعيّ فقد استهلّ بالجلسة الثانية، وكانت بعنوان " الأدب الفلسطينيّ: البدايات والامتداد" وقد أدارتها الكاتبة أسمهان خلايلة عضو إدارة الاتّحاد بتقديم المحاضريْن: البروفيسور محمود غنايم رئيس المجمع اللغويّ العربيّ والدكتور نبيه القاسم المحاضر في دار المعلّمين العرب وغيرها من المعاهد العليا، ففي المحاضرة الأولى استعرض الأستاذ غنايم المراحل التاريخيّة الأولى لبدايات الأدب الفلسطينيّ الحديث معتبرًا أنّ الأدب الفلسطينيّ بعد النكبة قد تأسّس على مراحل سبقته، وأنّ الأدباء في كافّة مجالات الكتابة قد شكّلوا امتدادًا لكتّاب وشعراء عاشوا وكتبوا قبل النكبة بعقود طويلة، أمّا د. القاسم فقد استهلّ محاضرته بأنّ الهمّ الفلسطينيّ جمع بين سائر الأدباء وكانت النكبة كحدث تاريخيّ له ملابساته وانعكاساته على حياة الفلسطينيّين وطنًا وشعبًا، شكّلت محورًا موضوعيًّا جامعًا لكلّ الأقلام التي تناولت القضيّة الفلسطينيّة شعرًا ونثرًا، قصّة ورواية وفي سائر الأجناس الأدبيّة، فالامتداد التاريخيّ ارتبط وثيقًا بالنكبة وارهاصاتها ونتائجها وبخاصّة في الشعر.
وكانت الجلسة الثالثة بإدارة الشاعرة جميلة شحادة عضو الاتّحاد، وقد كانت بعنوان "الأدب الفلسطينيّ: الجغرافيا والأدب النسويّ"، وشارك فيها المحاضران: د. محمّد صفّوري ود. كوثر جابر قسّوم، أمّا محاضرة د. صفّوري فقد تمحورت حول شرعيّة الأدب النسويّ وتميّزه عن الأدب الرجوليّ، وما فيه من تميّز تشحنه إحساسات المرأة الفلسطينيّة وعذاباتها المضاعفة، وكانت محاضرة د. قسّوم حول الأبعاد الجغرافيّة ومدى تأثيرها على الأدب الفلسطينيّ، وطرحت أسئلة حول ما إذا كان للتنوّع المكانيّ أو الزمانيّ من تأثير على التيمات التي يتناولها الأدب الفلسطينيّ في كافّة أماكن التواجد جغرافيًّا.
امّا الجلسة الرابعة وقد أدارتها الشاعرة ميساء الصح فكانت بعنوان "الأدب الشعبيّ والزجل" وتناول موضوعًا في العمق وحول نوع واحد من أنواع الأدب المحكيّ باللغة العاميّة، وقد كانت الجلسة من شقّين: الأوّل محاضرة قيّمة للأستاذ علي حبيب الله، تناول فيها مقولات حول تأثير النكبة على هذا النوع من الأدب، الذي يميّزه الانتماء للتقاليد الشفويّة، وهي تقاليد تقوم على الذاكرة والوجدان، ولذلك هي قادرة على الإفلات من سيطرة الرقابة لأنها باعتمادها على الذاكرة تصبح أكثر مطلقة من التاريخ العلمانيّ، أمّا الشقّ الثاني فقد ابتعد عن جوّ البحث والدراسة، وقد أتحف فيه الزجّال المعروف شحادة الخوري الحضور بباقة من الغناء الشعبيّ والزجل مثّل فيهما لأنواع كثيرة من فنون الغناء الشعبيّ كالقصيد والمعنّى، فكان ذلك مسكًا طيّبًا لختام اليوم الأوّل من أيّام المؤتمر، ويشار إلى أنّ الفنّانة هويدا نمر زعاترة قد غنّت بصوتها الجميل قصيدة "بلدي" من كلمات الشاعر الفلسطينيّ الكبير محمود درويش.
وكذلك كان للاتّحاد والمؤتمر لفتة نحو جيل المؤسّسين من الأدباء الكبار ذوي الباع الطوبل في الكتابة والأدب، فقد انتهز الاتّحاد العامّ للأدباء فرصة المؤتمر لتكريم أربعة أدباء نافت أعمارهم عن التسعين عامًا، فقد كانوا شهادة على عصر مضى من العطاء والإبداع وهم الأدباء: حنّا أبو حنّا من حيفا وقد تسلّم درعًا رمزيًّا لتكريمه الكاتب فتحي فوراني، حنّا إبراهيم من البعنة وقد تسلّم بنفسه درع التكريم، مصطفى مُرّار من جلجولية وتسلّم الدرع نيابة عنه الكاتب مفيد صيداوي وسعاد قرمان من إبطن تسلّمت درع تكريمها الشاعرة آمال رضوان.
افتتحت أعمال اليوم الثاني بالجلسة الخامسة وكانت بعنوان "الأدب الفلسطينيّ: أساليب وأنواع وتقنيّات" وقد قادتها الأديبة خالديّة أبو جبل عضو إدارة الاتّحاد، فاستُهلت بمحاضرة د. رياض كامل حول المكان والفضاء الروائيّ ومدى تأثير تقنيّات الزمان والمكان على المبنى الروائيّ والعناصر الروائيّة المختلفة، وكذلك على سلوك الشخصيّات في الحدث. أمّا د. رباب سرحان فقدّمت عن الرواية عامّة وتعمّقت بنماذج مختلفة منها، وبالذات في روايات الكاتب محمّد نفّاع، وبالذات رواية "فاطمة". أمّا المحاضرة الثالثة فكانت لد. فيّاض هيبي حول السخرية في الأدب الفلسطينيّ وأنواعها وتقنيّاتها وعن أهداف استخدامها في الأدب وبخاصّة التمويه والتشويه للواقع المعيش للشخصيّات التي تعاني شظف الحياة.
الجلسة السادسة بعنوان "الأدب الفلسطينيّ: السلطة والرقيب والحريّة"، أدارتها الشاعرة فوز فرنسيس، وكانت عبارة عن محاضرتيْن: الأولى لد. لينا الشيخ حشمة حول أدب السجون وما له من تميّز في مواضيع لا يتناولها غيره، كما تطرّقت د. حشمة إلى مقولات تأسيسيّة في أدب السجون وبنت مقولاتها على مجموعة من النماذج الروائيّة من الأدب العربيّ والفلسطينيّ، أمّ د. محمّد هيبي فقد تناول في المحاضرة الثانية موضوع الرقابة وحريّة الكاتب ومدى ما يعانيه الكاتب ناقدًا أو روائيًّا من عسف سلطويّ اجتماعيّ أحيانًا ورسميّ في كثير من الظروف، وأشار إلى كثير من المواقف التي تعرّض فيها الكتّاب لأذى من قبل سلطة المجتمع المتخلّف أو من سلطة القانون الجائر.
وقد خصّص المؤتمر جزءًا من الوقت للنقاش في آخر كلّ جلسة، وقد قام عدد من المتناقشين بطرح أسئلة أو تقديم مداخلات قصيرة، ومنهم د. بطرس دلّة ود. أسامة مصاروة والشاعر سامي مهنّا والكاتبة دعاء زعبي والباحث نبيل طنّوس والشاعر مفلح طبعوني.
وفي الجلسة الختاميّة لخّص رئيس المؤتمر البروفيسور إبراهيم طه كلّ الأنشطة والمحاضرات متمنيًا على الجميع أن يساهموا في برامج ثقافيّة تخدم وجودنا، لأنّ ثقافتنا الوطنيّة عماد بقائنا المهدّد، كما جاء في الشعار الرئيس للمؤتمر، ومن ثمّ ثمّن عاليًا ما قام به المحاضرون من جهد في البحث والدراسة، مفصّلًا دور كلّ واحد منهم في تقديم موضوع محاضرته، كما شكر جميع المشاركين على مدى اليوميْن على هذا الحضور النوعيّ والمشرّف، وأوصل الشكر للاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين على هذا المشروع الجبّار. وقام الأمين العامّ للاتّحاد بإغلاق المؤتمر غير ناسٍ شكر الجنود من وراء الكواليس الذين أوصلوا الليل بالنهار والأيّام بالأسابيع للوصول إلى هذا المؤتمر الكبير والذي أشاد الجميع برقيّه العلميّ وفائدته الموضوعيّة، كما لم ينسَ شكر بلديّة عرّابة ورئيسها وإدارتها وأعضائها والموظفين والعاملين الذي واكبوا خطانا وعملوا على تسهيل أعمال المؤتمر.
الاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل 48 ينهي أعمال المؤتمر الثقافيّ الأوّل بنجاح نوعيّ باهر
يعقوب حجازي: نفتتح المؤتمر كرافعة للحركة الأدبيّة الفلسطينيّة. عمر نصّار: هذا الحدث الهامّ يجب أن يتحوّل لتقليد ثابت تستضيفه بلدنا عرّابة بفخر واعتزاز. محمّد بركة: هذا المؤتمر الثقافيّ وبهذا الحضور المهيب عمل كبير يأتي ردًّا حضاريًّا على ما يستشري في مجتمعنا من عنف وجريمة وسلاح سلطويّ. سعيد نفّاع: المؤتمر الأوّل تجذير وتوحيد لحركتنا الثقافيّة الفلسطينيّة ولا ينحاز لغيرها وهو صمّام بقائنا الفلسطينيّ المميّز على هذه الأرض. إبراهيم طه: الأدب الفلسطينيّ يتألّق طولًا وعرضًا وعمقًا وسط هذا الالتفاف الجميل حول مشروعنا الثقافيّ، فهو أدب فلسطينيّ جميل وصادق ويصدّر للعالم قيمًا إنسانيّة وأخلاقيّة وجماليّة عالية.
جاءنا من الناطق الرسميّ للاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل 48، الشاعر علي هيبي: بحضور غفير، نوعيّ ولافت من أعضاء الاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين وأصدقائه ومن قرى الجليل والمثلّث ومدنهما وبحضور وفد رفيع من أدباء الجولان السوريّ العربيّ المحتلّ، وبروح وثّابة لنشر ثقافتنا الوطنيّة وأدبنا الفلسطينيّ ومن قلب مثلّث يوم الأرض، في مدينة عرّابة البطّوف استهلّ الاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين وبلديّة عرّابة المؤتمر الثقافيّ الضخم والاوّل من نوعه منذ ثلاثة عقود، استهلّ اليوم الأوّل من أعماله وفعاليّاته في قاعة المؤتمرات، في المبنى الجديد لبلديّة عرّابة البطّوف صباح يوم الجمعة الفائت الموافق ل 11/10/2019. فقد غصّت القاعة بالمئات من المشاركين من الأدباء والمثقّفين ومن كافّة الشرائح الاجتماعيّة ومن كافّة القرى والمدن في الجليل والمثلّث، وقد حظي المؤتمر بتغطية إعلاميّة مكثّفة، إذ شارك الكثير من وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونيّة وشبكات التواصل الاجتماعيّ في تغطية هذا النشاط المميّز.
وممّا يجدر ذكره أنّ المؤتمر وعلى مدى يوميْن كامليْن قد تناول محورًا أساسيًّا بالبحث والدراسة هو "الأدب الفلسطينيّ من منظور ثلاثيّ الأبعاد: الطول والعرض والعمق"، وقد غطّى المؤتمر بمحاضراته القيّمة التي قدّمها محاضرون بارزون من العاملين في الجامعات والمعاهد العليا في بلادنا، غطّى مساحات وأبعادًا زمكانيّة واسعة من تاريخ أدبنا الفلسطينيّ على كافّة أماكن تواجد شعبنا في الداخل والضفّة والقطاع والشتات، ويشار إلى أنّ البروفيسور إبراهيم طه الذي شغل منصب رئيس قسم اللغة العربيّة لسنوات عديدة في جامعة حيفا ولخبرته في مجال الإعداد والتحضير لمؤتمرات أدبيّة وثقافيّة، وهو أيضًا عضو الاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين هو الذي رئس هذا المؤتمر، وكان المسؤول عن تنظيم موادّه ومبناه الموضوعيّ، ولكنّ المؤتمر كان بإدارة الأمانة العامّة للاتّحاد العامّ للأدباء، فهم الذين قاموا بالإعداد والإعلام وسائر النشاطات التي سبقت المؤتمر لضمان نجاحه بالشكل الذي يليق بمستواه المضمونيّ. وقد أدار عدد من الأديبات من أعضاء المؤتمر جلساته المتتالية حتّى موعد إغلاقه وإنهاء أعماله عصر يوم السبت الموافق ل 12/10/2019.
وكان الكاتب يعقوب حجازي عضو هيئة رئاسة الاتّحاد العامّ قد افتتح المؤتمر بكلمة ترحيبيّة للحضور الكبير، ولكلّ من ساهم في الإعداد والتحضير من أعضاء الاتّحاد ولرئيس بلديّة عرّابة على الاستضافة والمساندة لهذا الحدث الكبير، وللمشاركين من المحاضرين الإجلّاء وكذلك لبروفيسور طه على تولّيه باستحقاق رئاسة المؤتمر، معتبرًا أنّ هذا العمل كما يبدو من اللحظات الأولى لافتتاحه سيكون رافعة حقيقيّة، متقدّمة لنشاطنا الثقافي ّعامّة وعاملًا مساعدًا على انتشار الاتّحاد، وذلك بانتماء الأدباء لعضويّته، وبخاصّة بعد الوحدة والاندماج في اتّحاد واحد.
أمّا السيّد عمر نصّار رئيس بلديّة عرّابة، قلب مثلّث يوم الأرض وكبلد مضيف فقد رحّب بالاتّحاد العامّ وشكره على مجرّد اختيار عرّابة لاستضافة هذا العمل الوطنيّ والثقافيّ الجبّار، وبعد ترحيبه بالحاضرين، أعرب رئيس البلديّة عن استعداده واستعداد البلديّة لاستضافة هذا المؤتمر كلّ عام بعد أن يتحوّل لتقليد سنويّ، تعتزّ عرّابة وتفخر به كإنجاز ثقافيّ ووطنيّ عظيم يخدم مجتمعنا ويدرأ عنه الأخطار المحدقة به من عنصريّة مستشرية ومن عنف له انعكاساته السلبيّة على مجمل حياتنا الاجتماعيّة والسياسيّة، وعلى النسيج الاجتماعيّ والأخلاقيّ الذي يجمعنا.
وفي كلمته أمام المؤتمر بارك السيّد محمّد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة المؤتمر الثقافيّ والعاملين على انعقاده وإنجاحه، ونقل تحيّات لجنة المتابعة لهم، وقد أشاد بركة بالوحدة بين الاتّحاديْن وتوحيد الصفوف إذا كانت النتيجة مثل هذه المؤتمرات المميّزة بعطائها وإثرائها، ومعتبرًا أنّ هذا المؤتمر وسائر الأنشطة الثقافيّة من أدب وفنّ وعلوم تشكّل سلاحًا قويًّا بأيدي مجتمعنا العربيّ الفلسطينيّ ضدّ السلطة والعنف الذي تغذّيه في مجتمعنا على شكل سلاح وجريمة ومخدّرات وغيرها من الموبقات، فالثقافة الحضاريّة هي الردّ على مثل هذه السياسة الهمجيّة.
وقد ألقى الكاتب سعيد نفّاع الأمين العامّ كلمة الاتّحاد، وقد كانت جامعة لكلّ ما سبق المؤتمر من تحضير وإعداد وإعلام وأعمال مضنية، كانت مقدّمة لهذا النجاح الباهر، وقد كانت كلمته أيضًا عبارة عن بيان الاتّحاد للمؤتمر خاصّة وللرأي الثقافيّ العامّ عامّة، وقد أشاد فيها بدور أعضاء الأمانة العامّة الذين جدّوا وكدّوا من أجل هذه النتيجة، ومن ثمّ تحدّث عن المؤتمر الثقافيّ الأوّل كنشاط يجذّر ويرسخّ ثقافتنا الوطنيّة التي لا ينحاز المؤتمر إلّا لها ولشعبنا ووطننا، ويأتي كنشاط لافت ونتيجة طبيعيّة لوحدة الحركة الثقافيّة، التي ترسّخت بعد الاندماج والوحدة بين الاتّحاديْن: الكرمل و48، وقد دعا نفّاع كلّ الأدباء الغيورين على حركتنا الأدبيّة إلى الانضمام والانتساب للاتّحاد وعدم عرقلة هذه الوحدة بحجج واهية وعلل بائسة، فالاتّحاد اليوم هو الراعي الحقيقيّ لحركتنا الأدبيّة والثقافيّة والعامل الأساس في اتّساع وترسيخ حراكنا الثقافيّ، من خلال الأمسيات والندوات والنشاط في المدارس ومن خلال صوته المكتوب مجلّة "شذى الكرمل".
أمّا كلمة المؤتمر فكانت من نصيب رئيسه البروفيسور إبراهيم طه الذي أشاد بالافتتاح المهيب للمؤتمر بهذا الالتفاف الجميل والمشرّف حول ثقافتنا الفلسطينيّة، فالأدب الفلسطينيّ جميل وصادق، وهو يتألّق ويسمو طولًا وعرضًا وعمقًا بما يحمله للعالم من قيم اجتماعيّة، أخلاقيّة وجماليّة، وقد اعتبر الأستاذ طه المؤتمر تظاهرة ثقافيّة وحضاريّة مشرقة ومشرّفة، وطالب القيّمين من أعضاء الاتّحاد العامّ للأدباء على الإعداد والتحضير والنجاح على هذه الشاكلة، طالبهم بمواصلة الجهد بالجهد من أجل الاستمرار في هذه المشاريع الضخمة، فليس بقادر على ذلك إلّا الاتّحاد الذي يشكّل رافعة لإنجاز وإنجاح مشروع ضخم كهذا المؤتمر، الذي يسدّ فراغًا ثقافيَّا لا تملوه ندوة هنا أو أمسية هناك، مع الاحترام لكلّ مجهود طيّب مهما صغر أو كبر. وبكلمة الأستاذ طه أقفلت الجلسة الافتتاحيّة للمؤتمر.
أمّا الجانب الموضوعيّ فقد استهلّ بالجلسة الثانية، وكانت بعنوان " الأدب الفلسطينيّ: البدايات والامتداد" وقد أدارتها الكاتبة أسمهان خلايلة عضو إدارة الاتّحاد بتقديم المحاضريْن: البروفيسور محمود غنايم رئيس المجمع اللغويّ العربيّ والدكتور نبيه القاسم المحاضر في دار المعلّمين العرب وغيرها من المعاهد العليا، ففي المحاضرة الأولى استعرض الأستاذ غنايم المراحل التاريخيّة الأولى لبدايات الأدب الفلسطينيّ الحديث معتبرًا أنّ الأدب الفلسطينيّ بعد النكبة قد تأسّس على مراحل سبقته، وأنّ الأدباء في كافّة مجالات الكتابة قد شكّلوا امتدادًا لكتّاب وشعراء عاشوا وكتبوا قبل النكبة بعقود طويلة، أمّا د. القاسم فقد استهلّ محاضرته بأنّ الهمّ الفلسطينيّ جمع بين سائر الأدباء وكانت النكبة كحدث تاريخيّ له ملابساته وانعكاساته على حياة الفلسطينيّين وطنًا وشعبًا، شكّلت محورًا موضوعيًّا جامعًا لكلّ الأقلام التي تناولت القضيّة الفلسطينيّة شعرًا ونثرًا، قصّة ورواية وفي سائر الأجناس الأدبيّة، فالامتداد التاريخيّ ارتبط وثيقًا بالنكبة وارهاصاتها ونتائجها وبخاصّة في الشعر.
وكانت الجلسة الثالثة بإدارة الشاعرة جميلة شحادة عضو الاتّحاد، وقد كانت بعنوان "الأدب الفلسطينيّ: الجغرافيا والأدب النسويّ"، وشارك فيها المحاضران: د. محمّد صفّوري ود. كوثر جابر قسّوم، أمّا محاضرة د. صفّوري فقد تمحورت حول شرعيّة الأدب النسويّ وتميّزه عن الأدب الرجوليّ، وما فيه من تميّز تشحنه إحساسات المرأة الفلسطينيّة وعذاباتها المضاعفة، وكانت محاضرة د. قسّوم حول الأبعاد الجغرافيّة ومدى تأثيرها على الأدب الفلسطينيّ، وطرحت أسئلة حول ما إذا كان للتنوّع المكانيّ أو الزمانيّ من تأثير على التيمات التي يتناولها الأدب الفلسطينيّ في كافّة أماكن التواجد جغرافيًّا.
امّا الجلسة الرابعة وقد أدارتها الشاعرة ميساء الصح فكانت بعنوان "الأدب الشعبيّ والزجل" وتناول موضوعًا في العمق وحول نوع واحد من أنواع الأدب المحكيّ باللغة العاميّة، وقد كانت الجلسة من شقّين: الأوّل محاضرة قيّمة للأستاذ علي حبيب الله، تناول فيها مقولات حول تأثير النكبة على هذا النوع من الأدب، الذي يميّزه الانتماء للتقاليد الشفويّة، وهي تقاليد تقوم على الذاكرة والوجدان، ولذلك هي قادرة على الإفلات من سيطرة الرقابة لأنها باعتمادها على الذاكرة تصبح أكثر مطلقة من التاريخ العلمانيّ، أمّا الشقّ الثاني فقد ابتعد عن جوّ البحث والدراسة، وقد أتحف فيه الزجّال المعروف شحادة الخوري الحضور بباقة من الغناء الشعبيّ والزجل مثّل فيهما لأنواع كثيرة من فنون الغناء الشعبيّ كالقصيد والمعنّى، فكان ذلك مسكًا طيّبًا لختام اليوم الأوّل من أيّام المؤتمر، ويشار إلى أنّ الفنّانة هويدا نمر زعاترة قد غنّت بصوتها الجميل قصيدة "بلدي" من كلمات الشاعر الفلسطينيّ الكبير محمود درويش.
وكذلك كان للاتّحاد والمؤتمر لفتة نحو جيل المؤسّسين من الأدباء الكبار ذوي الباع الطوبل في الكتابة والأدب، فقد انتهز الاتّحاد العامّ للأدباء فرصة المؤتمر لتكريم أربعة أدباء نافت أعمارهم عن التسعين عامًا، فقد كانوا شهادة على عصر مضى من العطاء والإبداع وهم الأدباء: حنّا أبو حنّا من حيفا وقد تسلّم درعًا رمزيًّا لتكريمه الكاتب فتحي فوراني، حنّا إبراهيم من البعنة وقد تسلّم بنفسه درع التكريم، مصطفى مُرّار من جلجولية وتسلّم الدرع نيابة عنه الكاتب مفيد صيداوي وسعاد قرمان من إبطن تسلّمت درع تكريمها الشاعرة آمال رضوان.
افتتحت أعمال اليوم الثاني بالجلسة الخامسة وكانت بعنوان "الأدب الفلسطينيّ: أساليب وأنواع وتقنيّات" وقد قادتها الأديبة خالديّة أبو جبل عضو إدارة الاتّحاد، فاستُهلت بمحاضرة د. رياض كامل حول المكان والفضاء الروائيّ ومدى تأثير تقنيّات الزمان والمكان على المبنى الروائيّ والعناصر الروائيّة المختلفة، وكذلك على سلوك الشخصيّات في الحدث. أمّا د. رباب سرحان فقدّمت عن الرواية عامّة وتعمّقت بنماذج مختلفة منها، وبالذات في روايات الكاتب محمّد نفّاع، وبالذات رواية "فاطمة". أمّا المحاضرة الثالثة فكانت لد. فيّاض هيبي حول السخرية في الأدب الفلسطينيّ وأنواعها وتقنيّاتها وعن أهداف استخدامها في الأدب وبخاصّة التمويه والتشويه للواقع المعيش للشخصيّات التي تعاني شظف الحياة.
الجلسة السادسة بعنوان "الأدب الفلسطينيّ: السلطة والرقيب والحريّة"، أدارتها الشاعرة فوز فرنسيس، وكانت عبارة عن محاضرتيْن: الأولى لد. لينا الشيخ حشمة حول أدب السجون وما له من تميّز في مواضيع لا يتناولها غيره، كما تطرّقت د. حشمة إلى مقولات تأسيسيّة في أدب السجون وبنت مقولاتها على مجموعة من النماذج الروائيّة من الأدب العربيّ والفلسطينيّ، أمّ د. محمّد هيبي فقد تناول في المحاضرة الثانية موضوع الرقابة وحريّة الكاتب ومدى ما يعانيه الكاتب ناقدًا أو روائيًّا من عسف سلطويّ اجتماعيّ أحيانًا ورسميّ في كثير من الظروف، وأشار إلى كثير من المواقف التي تعرّض فيها الكتّاب لأذى من قبل سلطة المجتمع المتخلّف أو من سلطة القانون الجائر.
وقد خصّص المؤتمر جزءًا من الوقت للنقاش في آخر كلّ جلسة، وقد قام عدد من المتناقشين بطرح أسئلة أو تقديم مداخلات قصيرة، ومنهم د. بطرس دلّة ود. أسامة مصاروة والشاعر سامي مهنّا والكاتبة دعاء زعبي والباحث نبيل طنّوس والشاعر مفلح طبعوني.
وفي الجلسة الختاميّة لخّص رئيس المؤتمر البروفيسور إبراهيم طه كلّ الأنشطة والمحاضرات متمنيًا على الجميع أن يساهموا في برامج ثقافيّة تخدم وجودنا، لأنّ ثقافتنا الوطنيّة عماد بقائنا المهدّد، كما جاء في الشعار الرئيس للمؤتمر، ومن ثمّ ثمّن عاليًا ما قام به المحاضرون من جهد في البحث والدراسة، مفصّلًا دور كلّ واحد منهم في تقديم موضوع محاضرته، كما شكر جميع المشاركين على مدى اليوميْن على هذا الحضور النوعيّ والمشرّف، وأوصل الشكر للاتّحاد العامّ للأدباء الفلسطينيّين على هذا المشروع الجبّار. وقام الأمين العامّ للاتّحاد بإغلاق المؤتمر غير ناسٍ شكر الجنود من وراء الكواليس الذين أوصلوا الليل بالنهار والأيّام بالأسابيع للوصول إلى هذا المؤتمر الكبير والذي أشاد الجميع برقيّه العلميّ وفائدته الموضوعيّة، كما لم ينسَ شكر بلديّة عرّابة ورئيسها وإدارتها وأعضائها والموظفين والعاملين الذي واكبوا خطانا وعملوا على تسهيل أعمال المؤتمر.