جريمة ذبح الصحفي الأمريكي

بقلم : Nicolas Sayegh,
تاريخ النشر 22/08/2014 - 10:07:55 am

عملية ذبح الصحفي الأمريكي "جيمس فولي" هي محض بربرية ووحشية لا يمكن تفسيرها بأي منطق ديني ولا إنساني ولا حتى بهيمي ، والذين استعرضوا وحشيتهم أمام الكاميرات بتلك الواقعة لا يمكن نسبتهم إلى الإسلام بأي معيار ، وأنا أدرك أن المراجع العلمية في العالم الإسلامي من أوله لآخره من علماء ودعاة ورموز دعوية كبيرة كلها مجمعة على أن "داعش" لا تمثل أي فكر إسلامي صحيح ، وإنما هي أقرب لفكر الخوارج القدامى ، وأنا أتصور أننا بذلك نسيء للخوارج أيضا ، فلم يؤثر عنهم كل تلك الوحشية ، ثم إن هذا المواطن الأمريكي هو صحافي لا صلة له بالمعارك ولا بالجبهات ، هو يمارس عمله الإنساني والمهني ، وفق أعراف مستقرة ، في نقل صورة ما يحدث للعالم ، فلماذا يذبحه هؤلاء القتلة ، بأي شرع أو بأي دين أو بأي ذنب ، ولقد كان من هدي النبي الكريم في الحروب أن لا يتعرضوا للرهبان في صوامعهم ، لأنهم ليسوا جزءا من الحرب ولا حملة سلاح ، فلا يجوز شرعا استهدافهم لمجرد النكاية في طوائفهم أو من ينتمون إليهم أو لمجرد أنهم يختلفون دينيا ، وكذلك الصحفيون ، لا يقوم باستهدافهم إلا القتلة والفاسدون الذين لا يريدون للعالم أن يعرف الحقيقة ، وهؤلاء سواء كانوا نظم الاستبداد والقمع والدموية أو تنظيمات العبث والجنون وموت الإنسانية ، كلهم سواء في الإدانة والتبرؤ مما يفعلون .

الذين حاولوا التشكيك في مشهد الذبح وأنه مصطنع يبالغون في تبرئة التنظيم الدموي من جرائم متكررة وثابتة ، فلم تكن هذه أول واقعة ذبح يرتكبونها ، فقد تفاخروا كثيرا بذبحهم علماء وقضاة ودعاة وقيادات جهادية في سورية والعراق ، فلم يسلم من جنون هؤلاء مسلم ولا مسيحي ولا درزي ولا علوي ولا عراقي ولا مصري ولا سوري ولا لبناني ولا أمريكي ، هؤلاء قرار قتل إنسان عندهم أسهل من قرار قتل فأر أو قطة ، وذبح إنسان أسرع من ذبح دجاجة ، ومن العبث أن تجادلهم في شيء أو تناقشهم ، لأن مثل هذه السلوكيات البشعة لا تنتمي إلى عالم الفكر أو العقل أو العلم أو الدين ، صحيح هم يحاولون نسبة سلوكياتهم إلى فهمهم لأحكام أو وقائع قديمة ينسبونها إلى الإسلام ، ولن يعدم أي محدود العلم والعقل والآدمية أن يؤول أي نص أو واقعة لكي يبرر بها سلوكه المنحرف ، ولكن يكفي أن علماء الأمة كافة مجمعون على انحرافهم ، ومجمعون على أنهم لا يمثلون الإسلام من قريب أو بعيد ، ومجمعون على أنهم يشوهون صورة الإسلام ويصدون عن سبيل الله ، فضلا عن الإضرار الكبير الذي يسببونه لثورات الربيع العربي وبحث الشعوب عن العدالة والكرامة والحرية والحياة الكريمة ، ويكفي أن تلقي نظرة على نظم الديكتاتوريات في المنطقة لتجد كلا منهم يتاجر بتخويف الغرب من داعش وأنه يقوم بمهمة مقدسة في التصدي لخطرهم نيابة عن الغرب ! .

في تصوري أن "ظاهرة" داعش غير المسبوقة في المنطقة وربما في العالم ، هي إحدى نتائج انتهازية الولايات المتحدة وسياستها في المشرق ، وسواء كانت داعش صناعة استخباراتية في الأساس أو مخترقة مخابراتيا من بعض أجهزة المنطقة ، أو أنها نبت عشوائي عنيف ودموي لأجواء من العنف والدم والإحباط الشديد في المنطقة ، فإن الولايات المتحدة مسؤولة بشكل ضمني عن ظهورها عندما خذلت الشعب السوري وثورته السلمية النبيلة في البداية ، ومنحته الأماني في مساندة المجتمع الدولي له في نيل حريته وبناء دولة ديمقراطية تعددية حديثة ، ثم تركته نهبا لدبابات وصواريخ وطائرات بشار ، ثم لتحالف إجرامي إيراني سوري عراقي لبناني عماده الولاء الطائفي ، مع جسر جوي للسلاح الروسي الحديث ، في حين رفضت واشنطن حتى أن تعطي الشعب السوري وجيشه الحر مضادات الطيران لوقف المذابح اليومية للمدنيين في المدن السورية المختلفة ، خذلت واشنطن الثورة وتعمدت إطالة نزيف الدم في سوريا ، فساهمت في صناعة فراغات عشوائية تمددت فيها حركات متطرفة مثل داعش ، وتوحشت حتى أصبحت عصية على الحصار والتصفية .

خذلت واشنطن والعالم الغربي الربيع العربي ، وباعوا شعوبه للطغاة والثورات المضادة ، بحثا عن مصالحهم الضيقة والمقدسة في حماية إسرائيل وأنبوب النفط ، وساهموا في قمع وتهميش واستباحة أحزاب وقوى التيار الإسلامي السياسي المدني والديمقراطي ، فكان من الطبيعي أن يملأ أمثال داعش ذلك الفراغ السياسي والديني الخطير ، وفي يقيني أن ظاهرة داعش ودمويتها ووحشيتها لا يمكن حصارها وتجفيف مددها إلا بتأسيس بيئة سياسية إنسانية عادلة وتصالحية ، وميلاد شراكة سياسية حقيقية بين كل قوى المجتمع وتياراته بدون إقصاء أو تهميش ، تحترم أشواق الشعوب للحرية والديمقراطية ، وصناعة مستقبلها ، وتعزيز منظومة قانونية وأخلاقية تحمي الحريات العامة وتوقف استباحة نظم القمع لأنصار الحرية ودعاة الإصلاح ، لأن مناخ القمع والاستباحة والإقصاء والتهميش هو أفضل بيئة تولد فيها داعش وأخواتها .

[email protected]

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.سممكن ان يكون هذا الصحفي ،الفادي لدماء الصحفين الامريكيين الذين تخاذلوا عن نقل الصورة الحقيقية المؤلمة لشعب سوريا على مدى نحو ثلاث سنوات، من نحر وقتل وتعذيب وتهجير، وسفك دماء الاطفال الابرياء، ونزيف العذارى المغتصبات . فلو كان هؤلاء الصحفيون، ايقظوا الانسانية في داخل الشعب الامريكي الديمقراطي الحر، لهب الشعب على حكومته وزعمائه، واجبرهم على التحرك في سبيل انقاذ الشعب السوري من ازمته. ممكن موت الانسانية فيهم..صار جسدا.. وصار روحا فاسدا يسمى "داعش"، ينقلب عليهم ويهدد كيانهم.23/08/2014 - 10:29:02 pm

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1730