عجبي من الذين يدعون بأنهم يحملون الشهادات الجامعية، وهم لا يحملونها، يكذبون على أنفسهم ويخادعونها.
فهذا الذي تنزه في الجامعة ومطاعمها، وانبطح على عشبها الأخضر عاد ليقول لنا:
معي شهادة B.A. ، ومنهم من يحمل الشهادة الأولى حقاً، فلا يكتفي بها، فيدعي ليل نهار أنه يحمل شهادة الماجستير، ومن لا يعجبه فليضرب رأسه بالحائط!
والأدهى والأمر أن يكون بعضهم قد حصل على الماجستير حقاً، ولكنه يتوج اسمه بدون حياء ولا ذمة بأنه دكتور، والقاصي يعرف والداني أنه لم يواصل تعليمه، والدكتوراة منه براء.
وما أسهل أن نتعرف على الزيف، فأطروحة الدكتوراة يجب أن تكون في مكتبة الجامعة، وهي عادة تطبع في كتاب، وشهادة الدكتوراة توزع في حفل عام.
والصحف المحلية تخطىء في تقديم بعض هذه النماذج على أنهم (دكاترة) فهم لا يتحرون الحقيقة، بل يكتفون بما يلقب الشخص نفسه، وكأن لسان حال الصحافة يقول: (ما لنا ومالهم؟!)، وقد نسوا أن هذا واجب أدنى حتى لا نقع في تضليل، وتضيع (الطاسة)).
كنت أضحك في سري إذا علمت أن أحدهم يقول إنه أنهى في جامعة تل أبيب، ثم إذا التقى خريجين من تلك الجامعة انتقل بسرعة البرق إلى القدس، إنه لا يحدد تماماً موضوع أطروحته، ولا المشرف عليها، ولا في أي سنة أنجزها.
وكنت أضحك في سري من بعضهم (أكرر من بعضهم)، وقد حصلوا على "الشهادة" من جامعات في الخارج، ويعلم الله مدى الدفع فيها ومدى الصدق ومدى الأمانة!
مثقفون يكذبون، بعضهم يفعل ذلك (خبط لزق، وعلى عينك يا تاجر!)، وبعضهم يدعي أنه سافر إلى الخارج، وعاد بعد بضعة أشهر، فإذا هو دكتور بقدرة قادر. وأنت وإن جرؤت وتساءلت فـ (علقتك سخنة)، ومن أنت حتى تسأل؟ والعواقب وخيمة.
سأسوق قصة من تجربتي:
كانت أوراقي تقدم للأستاذية (بروفيسور) أكثر من مرة، وكان الأمر يؤجل أو يرفض، فإذا بأحدهم يقترح علي أن أدفع مبلغًا معينًا، وأحصل على اللقب من جامعة روسية كما حصل هو وكما استحصل لغيره.
لم أوافق، لأن مثل هذه الشهادة ليست شرفًا لي!
* * *
قد لا يهمنا الموضوع كثيراً من حيث الادعاء، فكل الشهادات لا تعطي شيئاً لمن لا يعرف الموضوع المدروس ولا يتناوله بجدَية ومعرفة دراسية، ولكن الذي يضايق أنهم أخذو يتكاثرون، بل أصبحوا ظاهرة، وقد فوجئت أن في مصر وفي الأردن من استحصلوا مثل هذه الشهادات. ومن نافلة القول إنني لا أمسّ بمن يستحق، وبمن بذل جهدًا، فثمة جامعات في الخارج مسؤولة وراقية، فلا يذهبن أحد إلى القول إنني أعمّم.
أفلا يخاف هؤلاء الذين علقوا شهادات الزيف من قصة (آرنس) الذي خلعوا عليه لقب (بروفيسور) طيلة سنوات، فإذا كل هذا هباء.
ولكن (آرنس) – على الأقل – احتج وقال: (أنا لم أطلب منهم أن يشيروا إلي باللقب ، ولكني سكتَّ).
ولكن ، ما قولكم لمن يكتب فلان بكل قِحة (الدكتور فلان)، و (البـروفيسور فلان) حتى صدق نفسه؟؟!
ما قولكم في من يدعي أنه حصل على (بروفيسور) لأنه قُبل محاضرًا في هذه الجامعة أو تلك؟
ربما ظن صاحبنا أنه في فرنسا، فكل محاضر هناك يلقبونه (بروفيسور).
لتكن الشهادة أولاً شهادة لنفسك أنك اجتهدت وجددت، وأنك خبير في موضوعك تتدارسه بمثابرة، ومصابرة.
تذكرت في ختام القول ما قاله حافظ إبراهيم، وهو يصف أمتنا التي يئس منها:
تعشق الألقاب في غير العلا.... وتفدّي في النفوس الرتــبـا