واذا دعوت الى الله س ، فبالرفق أدع بقلم الشيخ رياض حمزة

بقلم رياض حمزة,
تاريخ النشر 06/08/2016 - 02:21:31 pm

الشبوبية والفتوَّة والقوة هي ما يشعر به الفتى الشاب أو الشابة في مُقتبل اعمارهم ، وهذه الظواهر  قد تدفعهم إلى اقتحام المخاطر وخوض غمار بعض المحرمات والمُنكرات ، وعدم قبول نصيحة الناصحين ، بل قد يتجرأ الواحِد منهم،  قولاً أو فعلاً ، على من يُحاول نصحه أو محاسبته مُتقدماً لدعوته أو توجيهه ، من المُقربين أو الغرباء  ، فكان لا بُد ، ومن المهم أن يعي الناصح ، خاصة رجال الدين مِن الناصحين ، أن النُصح والهداية للشباب ، في ايامنا هذه ، يختلف ويتميَّز بعض الشيء عن نصح وهداية غيرهم مِن الناس ، ولذلك ، على من أراد أن يدعو الشباب الى الطريق الصواب  بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، أن يراعي ما هم فيه مِن تخبطٍ في هذه الفترة العُمرية مِن حياتهم ، ويتعامل معهم بما يناسبها .
وكمثلٍ على حُسن التوجُّه في الخطاب  ، في مُخاطبة هؤلاء الشباب ، أذكُر ما فعله  أحد عِباد الله الصالحين ، رحمه الله ، الذي كان يخرج للتَعَبُّد في الجبال يومياً ، ما فَعَلهُ مع مجموعة من الشباب كانوا دائماً في لهوهم يلهون وفي غيهم يمرحون ، حين مر بهم يوماً وهم كعادتهم في اللهو مستغرقون فسألهم ، بعد تحيَّتهم ووعظهم بالرفق واللين ، قائلاً : أخبروني عن قوم أرادوا سفراً ، فحادوا بالنهار عن الطريق ، وناموا الليل بطولهِ ، متى يصلون غايتهم ؟ فلا يجد الجواب ،   فكان يعاودهم السؤال في كل يومٍ مِن جديد ، وذات يوم ، حين مر بهم ، أعاد نفس السؤال عليهم ، فقال شاب منهم : يا قوم ، إنه والله ما يعني بهذا غيرنا ، فنحن بالنهار نلهو ، وبالليل ننام ، ثم اتبع الرجل الصالح ، وسار خلفهُ ، ولم يزل يرافقه إلى الغار ، ويتعبد معه حتى افتقدهما المولى فأخذهما الى جواره  ، رحمهما الله . 
إنها ولا شك قصة تحوي الكثير من الدروس والعبر ، واذا تفهمنا اعماقها نجد أنه على  الانسان المؤمن عدم الانطواء على نفسه ، واكتفائه بإصلاحها ، بل لابد من المشاركة في العمل والسعي إلى محاربة  المنكرات ، والدعوة الدائمة للعمل بالمعروف والنهي عن المُنكر . يقول ابن القيم ، ر : " وليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة ، بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله ، وأكثر الديانين لا يأخذون منها إلا بما شاركهم فيه عموم الناس ، وأما جهاد النفس والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والنصيحة لله ، ونصرة الله وأنبيائهِ ، ودينه الحنيف ، دين التوحيد الحق ، فهذه الواجبات قلما تخطر ببالهم ، وأقل الناس ديناً، وأبغضهم إلى الله من ترك هذه الواجبات ، وإن زَهِدَ في الدنيا جميعها ، وقل أن ترى منهم من يحمر وجهه ، وأصحاب الكبائر أحسن حالاً عند الله من هؤلاء " ، وَذُكِرَ أن الله ، سبحانهُ وتعالى ، أمر ملكاً من الملائكة أن يخسف بقرية كفر أهلها وسلكوا طريق المُنكر ، فقال المَلَك : يا رب إن فيهم فلاناً العابد الزاهد ! فقال تعالى : " به فابدأ ، وأسمعني صوته " ، والسبب في ذلك أنه لم ينهى القوم عن ارتكاب الخطايا واجتناب المنكرات والمُحرمات . 
فنعلم من هذا خطورة ترك محاسبة النفس والغير  خاصة على من ظن أن الدين عبارة فقط عن صلواتٍ يؤديها ، أو تسبيحات يتلفظ بها ، وغفل عن أن الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدمه الله في الذكر قبل أمور عظيمة ، يقول سبحانه : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " - سورة التوبة:71 - ، فقبل أن يذكر الله سبحانه الصلاة ، وطاعة الله ورسوله ، ذكر الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر.
ومما نستفيده من هذه القصة كذلك تجديد أساليب المُحاسبة ، للنفس أو للآخر ، فقد يظن أحدهم أن المحاسبة لا تكون إلا بالقوة ، وبالتهديد والوعيد ، وليس هذا بصحيح بل لكل مقام مقال ، فالأسلوب الذي سار عليه ذلك الرجُل الصالح الذي ذكرته في بداية المقال مع الشباب  كان بالكلمة الطيبة غير المباشرة ، وفيها الموعظة الحسنة ، والتذكير الراقي ، وضرب الأمثال ، وهذا ما نحتاجه خاصة في هذه الأزمنة التي كثرت فيه المغريات ، وكثرت فيه سبل الشر ، وسُبُل الخطيئة ، بل وتعددت أساليب ترويج المنكرات ، فمن قنوات فضائية إلى مواقع إلكترونية إلى صُحُف ومجلات هابطة ، وكل هذه التقنيات تحتاج في مقابلتها تجديد في أساليب المُحاسبة ، وتنويع في طرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ونستفيد كذلك من قصتنا أعلاه أهمية الاستمرار وبذل الجهد الدائم في الوعظ والمحاسبة ، وعدم اليأس والقنوط ، فقد كان ذلك الرجل الصالح لا يمر على أولئك الشباب إلا ويذكرهم بالله ، ويعظهم ، حتى فتح الله سبحانه قلوبهم . 
إن صلاح حال ذلك الشاب الذي تاب بعد النصيحة المستمرة مِن ذلك الرجل الصالح لباعث لكل شخص على حُسن الظن بالناس ، وعدم الحكم المسبق بعدم استجابتهم للوعظ اذا وعظوا  ، وعدم قبولهم للحق ، فكم أصلح الله من أناس قال الناس فيهم: لا يمكن لهذا ، أو لهؤلاء ، أن يتوبوا ، لكن أمر الله فوق كل شيء . والأمثلةُ كثيرةٌ كثيرة .
وعلى كل شخص منا أن يعلم أنه لابد أن يوجد في كل مجموعة ، من الذين يجتمعون على المنكرات ، من يحب الخير ، ومن له قلب حي يسمع الموعظة ، ويستجيب للنصيحة ، وعليه فعلينا أن لا نتجاهل أحداً لانتمائه الى تلك الشلة ، أو تلك العُصبة ، ففيهم ، بإذن الله من سيستجيب ويعمل بما يرضي الله ، بل وقد يصبح من الدُعاة أعوان الخير ، الداعين إليه ، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، فالى جانب الحذر من شر الأشرار لابد أن نجدد الدعوة  لهم ، ونأتيهم من كل طريق نستطيعه .
ولا يكفي أن يدعو أحدنا فلانا الى الخير حتى إذا انتهى عن المنكر يتركه ، ولم يدر في أي طريقٍ يسير ، بل لابد من متابعتهِ ، ولابد من الاهتمام به لأنه يحتاج إلى ارتباط موَثَّق بالصالحين ، وتواصل مع العلماء والدعاة والمصلحين ممن يحملون أمر هذا الدين ، دين التوحيد ، وقد يحتاج ، وهذا أمر مهم جداً ،  إلى رفقة صالحة تدعوه إلى الخير وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، كي لا يعاودهُ ماضيه ، وتغطي عنده الفراغ الذي قد يجده من ترك الرفقة السيئة ، فهذا سبب عظيم من أسباب الثبات على الدين ، وعدم العودة إلى المنكرات . يقول الله جل وعلا : " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " - الكهف:28 .  

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1730