"أوركسترا السُّكون" / لكمال إبراهيم دراسة النّص الموازي والمتن والعناوين

بقلم: الدكتور نبيل طنوس,
تاريخ النشر 26/09/2014 - 10:44:15 pm

"سِرْ على دربِ الهُدى
كـما شـعيـبُ علـَّــمـنا
وموسى وأحمدُ ويسوعْ"

 (الشّاعر)

النّص الموازي، المتن، العناوين، Arspoetic، الإرداف الخُلفي هي مصطلحات دراسة كتاب الشّعر "أوركسترا السُّكون"/كمال إبراهيم والتي جاء بها الشاعر لخدمة مضامين القصائد: التعدديّة الثقافيّة، التواصل، والقيم: التسامح، الحريّة، العفو، كرامة الانسان، الأمنيات، الدعوة إلى البدء بعمل ما لتحقيقها ويتوج هذا كله بقصيدة "زغرودة" والتي يعرض فيها نظريّته الشعريّة. ويقول: متى أكتب الشّعر؟ سأقوم بمحاولة التطرّق إلى هذه النّقاط في مقالتي هذه محاولًا الوصول إلى العلاقات فيما بينها. هذه القراءة هي قراءة سيميائيّة تبحث في الأشكال الفنيّة الخارجيّة للكتاب، أما بالنّسبة للمضامين وعمقها سأتطرّق إليها فقط لحاجة المقال وهي بحاجة لقراءة أُخرى. 


محتويات الكتاب:
1) النّصوص الموازية/المرافقة Paratext) ):
أ. الغلاف وكلّ ما عليه: اسم الشّاعر، عنوان الكتاب، صور وأشكال، ألوان، كلمات خطوط وغيرها.
الغلاف الخلفي ومحتوياته  من أشكال وصور وكلمات وألوان وغيرها.
ب. الغلاف الداخلي.
ت. الإهداء.
ث. فهرست.
ج. إصدارات للمؤلّف.
2) المتن Maintext)): يحتوي المتن على 25 قصيدة. يفتتحها بقصيدة "أوركسترا السُّكون" والتي اختارها عنوانا رئيسًا للكتاب.
3) عناوين القصائد (Titles): 25 عنوان.
 

1)  النّصوص الموازية/المرافقة-  Paratext:
يقول العدواني (2002) "لكل بناء مدخل، ولكل مدخل عتبة، ولكل عتبة هيئة، ولأن العتبات همسات البداية "فقد اهتمّت السيميائّية الحديثة بدراسة الإطار الذي يحيط بالنّص، كالعنوان، والإهداء، والرّسومات التوضيحيّة، وافتتاحيات الفصول وغير ذلك من النّصوص التي أُطلق عليها (النّصوص الموازية)، والتي تقوم عليها بنايات النّص... "ولهذا دور هام في دراسة الإنتاج عن طريق نقل مركز الاهتمام من النّص المتن إلى النّص الموازي، وهو أسلوب مهم في دراسة النّصوص – المتن،  حيث أن النّصوص الموازية هي أول ما يواجهه المتلقّي، ومن المتوقّع  أن تنطوي على معلومات تعرّفنا  بالنّص.
ويحتوي النّص الموازي/المرافق على: اسم المؤلّف، العنوان الرّئيس (اسم الكتاب)، العنوان الفرعي، العنوان الدّاخلي، الإهداء، شعار (موتو) الدّيباجات، التّذيـيلات، التّنبيهات، التّصدير، الحواشي الجانبيّة، الحواشي السفليّة، الهوامش، الزّخرفة، الرّسومات، نوع الغلاف، لون خلفيّة الغلاف وألوان أخرى وإشارات أخرى، ودار النّشر، وبلد النّشر، وسنة الإصدار وغيرها، وأحيانًا وخاصّةً على الصّفحة الأخيرة تعريف بالكاتب وإصداراته. من الجدير أن نعرف أنّ النّص الموازي هو ليس النّص الإبداعي نفسه (الرّوائي، الشّعري وغيره) والذي نسمّيه المتن.
ويعدّ النّص الموازي من المفاهيم النقديّة التي اشتغلت عليها الشّعرية الغربيّة، وقد كان جيرار جنيت Gérard Genette)) من طرح هذا المصطلح ، فما يهمه ليس النّص وحده، وإنما التّعالي النّصي والتفاعلات الموجودة بين النّصوص، وقد عرّف جنيت النّص الموازي في كتابه (الأطراس) كما أشار إلى ذلك د. عبد الفتاح الحجمري (1996) بأنّه عبارة عن ملحقات نصيّة وعتبات نعبرها قبل ولوج أي فضاء داخلي، كالعتبة بالنّسبة إلى الباب، أو كما يقول المثل المغربي: أخبار الدار على باب الدار، أو كما قال جنيت نفسه في شكل حكمة : احذروا العتبات !!.
أمثلة من الكتاب:
أ‌. الغلاف: يتكوّن الغلاف من صفحة ذات خلفيّة بيضاء مما يوحي لنا بالنّقاء والطّهارة وفي أعلى صفحة الغلاف الخارجيّة نجد عنوان الكتاب "أوركسترا السُّكون"، وفي أسفل الصّفحة نجد اسم المؤلّف "كمال إبراهيم" بشكل مجرّد بدون أي صفة أو مركز، وفي الوسط صورة "كمان" بلون بنّي فاتح وبجانبها من جهة اليسار كلمة "شعر" التي تدلّ على النّوع الأدبي، والكمان يتماثل مع العنوان وخاصّة بكلمة "أوركسترا". على يسار هذه الصّفحة خطوط طوليّة مختلفة العرض وأربع دوائر باللون البنّي مختلفة الحجم. أعتقد أن هذه الخطوط مع الدّوائر الأربعة حلّت محل خطوط/أسطر النّوتة الموسيقيّة والّتي تكون عبارة عن خطوط متساوية الحجم وعليها النّوتات بشكل مرتّب، أمّا هنا فالخطوط غير متساوية وعليها دوائر بدلًا عن شارات النّوتة مما يدلّ على سكون الموسيقى أي أنّ هذا الشّكل، أي النّوتة الموسيقيّة المشوّهة تتماثل مع العنوان "أوركسترا السُّكون" وتعني عدم وجود موسيقى وعدم وجود نوتة موسيقيّة، وذلك يظهر من التناقض بين أوركسترا وبين سكون. وهذه صورة بيانيّة تمزج بين متناقضين في تعبيرٍ واحد نسمّيه "إرداف خُلفي" (أوكسيمورون) سنتطرق إليه تحت فصل عناوين القصائد لاحقاً.

ب‌. الغلاف الخلفي يحتوي على صورة الشّاعر وهو جالس ويعطي انطباعًا لإنسان يتأمّل حاملًا القلم ويكتب، وهكذا تبرز رغبته في تعريفه لنفسه: هكذا اعرفوني: أتأمّل وأكتب. يحتوي هذا الغلاف أيضًا على مقطع من قصيدة الشّاعر "أنشودة" ص 55، ممّا يتماثل مع رموز صورته. وتوجد أيضًا الدّوائر والخطوط الموجودة على غلاف الوجه الأوّل ونفس الألوان، ممّا يؤكّد أوركسترا السُّكون أي حالة لا-موسيقيّة.
ت‌.  أمّا صفحة الغلاف الثانية من الأمام صفحة بيضاء ناصعة وأعتقد أنّها كذلك بطريق الصّدفة،  واكتفى الشّاعر بكتابة عنوان الكتاب بخطٍّ كبير وتحته بخطٍّ صغير كلمة "شعر" للدّلالة على النّوع الأدبي. ومن الأسفل اسمه بخطٍّ صغير ومجرّد من أيّ تعريف. أمّا ظهْر هذه الصّفحة فلونها أبيض ناصع، وفي أسفلها تاريخ الإصدار "آب 2012" واسم دار النّشر: إصدار: الحقيقة. كفر ياسيف ورقم الهاتف وتحتها نجد: حقوق الطّبع محفوظة للمؤلّف ورقم هاتفه ممّا يعكس رغبته إعلامنا أنّه هو المالك الوحيد للكتاب ومن يرغب باقتنائه فإليكم رقم هاتفي!
ث‌. الإهداء مع توقيع الشّاعر على صفحة منفردة:
إهداء
"إلى الّذين يزرعون بذور المحبّة والتّسامح في قلوب البشر، إلى طالبي الحريّة واقتلاع ظواهر التعصّب والاضطهاد، إلى كلّ المحبّين أُهدي مجموعتي الشعريّة هذه- كمال إبراهيم".
بنظرة خاطفة إلى هذا الإهداء نتعرّف إلى القيم الّتي ينادي بها الشّاعر: المحبّة والتّسامح والحريّة واللا تعصب واللا اضطهاد. ونحن نتوقع أن نجد هذه القيم في النّص المتن.
ج.  فهرست يحتوي على عناوين القصائد (25 قصيدة). عنوان القصيدة الأولى "أوركسترا السُّكون" هو العنوان الرّئيس للكتاب. وهنا يريد الكاتب إبراز العلاقة بين عنوان الكتاب كنص مواز وبين النّص المتن ولهذا السبب اختار عنواناً لإحدى القصائد وهذا أمر متبع أحياناً. فمحمود درويش، مثلًا، اختار لكتاب "أثر الفراشة" عنوانا لإحدى قصائد الكتاب نفسه. أمّا عناوين القصائد الأخرى سنتطرّق إليها في فصل النّص المتن "عناوين القصائد".
ح.  صدر للمؤلّف: أسماء كتب الشّاعر حتى الآن (7 كتب مع هذا الكتاب). وهنا تنعكس رغبة الشّاعر في كيف يريد تعريف نفسه للقرّاء: اعرفوا أنّ هذا الكتاب الّذي بين أيديكم هو ليس أوّل كتاب لي. إنّه الكتاب السابع!
2)  المتن ( Maintext) هو النّص الأصلي:
جاء في معجم المعاني الجامع:
متن الكتاب: الأصل الذي يشرح وتضاف إليه الحواشي .
متن اللغة: أُصولها ومفرداتها وألفاظها.
متن الحديث: غاية ما ينتهي إليه الإسناد من الكلام.
قدّم لنا الشّاعر كمال إبراهيم نصّه الشّعري على أنّه مجموعة قصائد تتحدّث عن أحداث كثيرة وهي كالأوركسترا ولكن يميّزها السُّكون، وقد يتصوّر القارئ أنّه سيجد مقطوعات موسيقيّة هادئة، ولكنّنا بالمقابل نجد أنّه يقدّم لنا مجموعة قصائد كالأوركسترا تتحدّث عن مواضيع مثل التّواصل مع الآخر والأمنيات والاكتراث بالآخر وكرامة الإنسان والتعدديّة.
يقع الكتاب في 65 صفحة من القطع الصّغير، صدر عن دار الحقيقة في كفر ياسيف سنة 2012 وقد جاء الكتاب ب 25 قصيدة.
مواضيع المتن:
تدور مواضيع المتن حول ثلاثة أمور رئيسيّة: التّواصل مع الآخر، قيم إنسانيّة وماهيّة/فن الشّعر ( Arspoetic ).
1. التواصل: مع عشيقته ومع قريته ومع النّاس.
أ‌. التّواصل مع عشيقته: القصيدة الأولى "أوركسترا السُّكون" (ص 7). كلمة أوركسترا تعكس التناغم والحركة والأصوات وتظهر رغبته ولوعته وشغفه للقاء عشيقته ولكن هذه الأوركسترا ساكنة: "هل من لقاء" و"رأيتك في حلمي" يعني علاقة ساكنة. في جميع قصائد التّواصل مع العشيقة نجد أوركسترا السُّكون، أي حب ولهفة من طرف الشّاعر وسكون أي عدم تجاوب من العشيقة. وكذلك القصائد: فراق (ص 15)، مُهجة النّفس (ص 17)، عشيقة درب (ص 21)، سئمت الانتظار (ص 32)، أُنشودة الحب (ص 37)، قِصّة عُمر ( ص 39)، دمشقيّة (ص 45).
ب‌. التواصل مع قريته: قصيدة "الليل في المغار" (ص 12)، نجد هنا تعابير نربطها مع أُوركسترا السُّكون.                                                                                                                                        
أُوركسترا: أزيز ناعم، أُوركسترا، تتناغم، مهبّ الرّيح، أسمع عويل بنات أوى، صياح الديك.
         السّكون: سكون، لا أسمع، يتوقف الضّجيج، الليل النّاعس.
ت‌. التّواصل مع النّاس: تشمل كلمة النّاس ثلاثة جوانب: أقربائه، طائفته (الدرزيّة) وشعبه العربي.
قصيدة "صورة جدي" (ص 59) وهي قصيدة مفعمة بالحركة: تَجولُ، حوَّلت الصّخر فتاتًا، زرعت، جعلت، سقيت، تزرع وتقلع، تغرس، زيّنت. قصيدة أوركسترالية غير ساكنة ولكنّها تتماثل مع موضوع "الإهداء" على الغلاف الدّاخلي للكتاب.
التّواصل مع طائفته وورد ذلك في القصائد: "أهلا بوفد التّواصل" (ص 11)، يا مرشد الخلق والعباد (ص 24)، مرحبا بأهل التّواصل (ص 51). هذه القصائد مفعمة بتعابير حركيّة: عاد، زار، يعود، أهلًا بكم، أهل التّواصل، مرشد، باعث، ناصر، سائرين، يشمخ، تزهو، رسمتم، رفضتم، نفضتم، نقلتم، قدمتم.
        أيضًا هذه قصيدة أوركسترالية غير ساكنة ولكنها تتماثل مع موضوع "الإهداء" على الغلاف الدّاخلي للكتاب.
ث‌. التواصل مع شعبه العربي وورد ذلك في القصائد: "لحن الخلود" (ص 26)، "أبيات مهداة لأبي القاسم الشابّي" (ص 42)، "الرّبيع العربي" (ص 48). قصائد مفعمة بالحركة والعنفوان: ريح، تهبّ، تنثر، تلتقي، ترسمان، ترفرف، ترقص، جوبي، هبّي، ينتفض، ثائرة، تناجيها، بركان، صاحت، ثارت، تقارع، وقصيدة "الرّبيع العربي" مفعمة بالحركة وبتعابير عزة النّفس والكرامة.
        أيضًا هذه القصائد أوركستراليّة غير ساكنة ولكنها تتماثل مع موضوع "الإهداء" على الغلاف الدّاخلي للكتاب "إلى طالبي الحريّة واقتلاع ظواهر التعصّب والاضطهاد".
2. القيم الإنسانيّة: ورد في قصائد الكتاب نداء للاهتمام بالآخر والتّسامح، والحريّة، والعفو، والحفاظ على كرامة الإنسان. القصائد: "آن الأوان" (ص 19)، "أُنشودة الحب والسّلم" (ص 30)، "لتشرق الشّمس"(ص 35)، "نص قد يكون خاطرة أو قصيدة"(ص 43). ونظرًا لأهميّة القيم يحذّر الشّاعر من عدم التّمسك بها. قصيدة "يوم الحساب"(ص 46)، وقصيدة "أُنشودة"(ص 54).
تتماثل هذه القصائد مع موضوع "الإهداء" على الغلاف الداخلي للكتاب، ولا توجد علامة بارزة لعلاقتها بالعنوان.
3. ماهيّة/فن الشّعر ( Arspoetic ):
هي ظاهرة التي فيها يتعامل الفن مع الفن والإنتاج. إنها تفكير تأمّلي (رفلكتيفي) يراجع الشّاعر فيها شعره ويكون في مركزها تعابير لها علاقة بسيرورة الكتابة، مثلا دوافع الكتابة وأسبابها وأهدافها ونجد فيها أيضًا تعريف لما هو الشّعر، بكلمات أُخرى يتحدّث الشّاعر عن كيفيّة كتابته.
"A poem should not mean but be.
A poem should be wordless as the flight of birds
A poem should be motionless in time  
As the moon climbs.( By  Archibald MacLeish)
ماهيّة/فن الشّعر ورد في قصيدتين: "زغرودة" (ص 28) و"أيّها العابرون" (ص 61). وأخصّ بالذّكر قصيدة  "زغرودة" والّتي يروي لنا الشّاعر فيها متى يكتب الشّعر؟ في أي حالات؟ ونجد دلائل على الزّمن والحالات والنّتيجة:
زمن الكتابة: الفعل "عندما" ظَرْفٌ لِزَمَانِ، ورد عشر مرات.
حالات الكتابة: تحتوي على أفعال تدلّ على الحركة وعلى الحيويّة:
عندما يصدح الطّير، يشعّ نور، يزهر الغصن، ترتوي الأرض، يشفى الطّفل، يرجع المهاجر، يلتقي الحبيب، يكشف العريس عن وجه عروسته، تكتسي الأرض، ينبت الفطر، يتحرّر الشعب، تعلو الأهازيج.
النّتيجة: تبدأ النّتيجة بكلمة "عندها" وهي ظَرْفٌ لِزَمَانِ الْحَدَث: والنّتيجة هي:
"عندها تتفجَّر في القلب القصيدة
وَيَنظُمُ الشّعرَ كبارُ الشّعراء"
في القصيدة الثّانية "أيها العابرون" يعرض  فيها ماهيّة شعره وأنّه عندما يعود سيكتب:
 "شعرًا جميلًا
يردّده الصّغار والكبار
عبر العصور والأجيال.
شعًرا كلّه مآثر
يروي قصّة وطن
عاش القهر والذلّ
 وويلات الحروب.
 شعرًا ينشد الحبّ والسّلم
 لكلّ الشعوب"
هذه قصائد أوركستراليّة غير ساكنة ولكنّها تتماثل مع موضوع "الإهداء" على الغلاف الداخلي للكتاب، وذلك أنّ الحالات الّتي يكتب فيها الشّعر تتّسم بالقيم الإنسانيّة.
 3) عناوين القصائد (Titles)
     الجزّار (1998) كما ورد في فحماوي وتد (2013) يعرّف العنوان مبدئيًا من خلال التّعريف الاصطلاحي التّالي: "العنوان للكتاب كالاسم للشّيء. به يعرف وبفضله يُتداول ويشار به إليه ويدلّ به عليه". وترى فحماوي وتد (2013) يؤسّس (المؤلّف) علاقته هو بالنّص من خلال العنوان. والعنوان بالنّسبة للمؤلّف يمثّل أكثر من مجرّد قراءة، بل يمثّل خيارًا لما يريد لنصّه أن يقول. ويعبّر عمّا يمثله النّص بالنّسبة إليه كمنتج له. المؤلّف يتأوّل العمل لوضع العنوان قبل أن يتناول المتلقّي العنوان من خلال النّص.
       نحن نرى بأنّ عنوان النّص هو كإسم المولود، فأحيانًا نختار الاسم قبل الولادة وأحيانًا ننتظر إلى ما بعد الولادة وأحيانًا نسّمي المولود تيمّنًا بشخصيًة نقدًرها أو تأمّلًا مستقبليًا وفي جميع الحالات الاسم/ العنوان الّذي نعطيه للمولود/للنّص يعكس فكرنا وأحاسيسنا وما يجول بعالمنا نحن.
      العنوان الرّئيس: "أوركسترا السُّكون" وهو صورة بيانيّة نسمّيها أرداف خُلفي Oxymoron وهو كما تعرّفه أبو جابر برانسي (2013) صورة بيانية تجمع بين متناقضين مما يمنحهما معنى جديدا: صوت السُّكون، غضب المحب. الأوكسيمورون هو مميّز مهم للّغة الشعريّة الحديثة، إنّه ظاهرة استعاريّة مجازيّة في الشّعر العربي وفيه تمازج ضدّي.
      القصيدة الأولى تحمل اسم عنوان الكتاب وكما يبدو أعْجَبَت الشّاعر واستعملها أيضًا ليسمّي الكتاب بنفس الإسم وأنا أعترف أنّ التّسمية هذه، ولأنّها أعجبتني شدّتني لقراءة الكتاب وكتابة مقالتي هذه.
      باقي العناوين ال 24 لها علاقات مباشرة بالقصائد وهي تسميات عاديّة لا مجازيّة تعرّفك بشكل مباشر بالنّص، فمثلا القصائد "أهلًا بوفد التّواصل" و"مرحبًا بأهل التّواصل" تشير إلى مضمون القصائد وهو وفد من الطّائفة الدرزيّة. أو قصيدة "الليل في المغار" تعرّفنا أنّ الشّاعر سيصف لنا الليل في بلده المغار. والقصائد "عشيقة درب" و"فراق" و"سئمت الانتظار" تدلّنا أنّ المضمون غزليّ وهكذا مع القصائد الأخرى.
      من هنا نرى بأنّ للعنوان أهميّة خاصّة وذلك بسبب ارتباطها بالمضمون وكما نقول بالمثل: " المكتوب يُقرأ من عنوانه".

الخاتمة:
كما أشرت لقد شدني عنوان الكتاب "أوركسترا السُّكون" لقراءته وازداد إعجابي به عندما قرأت "الإهداء" ورغبت بقراءة غير عاديّة وهي دراسة النّص الموازي/المرافق للنّص الأصلي/المتن. لقد اهتممت أكثر بالنّص الموازي وحاولت فحص مدى علاقته بالنّص الأصل، وبعد ذلك خصّصت بعض الإضاءات حول العنوان الرّئيس وعناوين القصائد. شدّتني كثيرًا قصيدة "زغرودة" الّتي أعتبرها قصيدة تحكي عن فنّ الشّعر ولذلك خصّصت لها عنوانًا منفردًا. لم أتطرّق إلى مضامين النّص إلّا بالقدر الذي احتجته لخدمة النّص الموازي/المرافق. في جميع الحالات أودّ الإشارة إلى أنّ مضامين المتن مباشرة وواضحة.


المصادر:
1. إبراهيم، كمال.(2012). أوركسترا السُّكون. شعر. إصدار: الحقيقة. كفر ياسيف.
2. أبو جابر برانسي، ريما. (2013).الإرداف الخُلفي (الأوكسيمورون) في الشعر العربي الحديث ومساهمته في بناء المعنى. إصدار: مكتبة كلّ شيء: حيفا ومجمع لقاسمي للّغة العربيّة: باقة الغربيّة.
3. العدواني، معجب. (2002).  تشكيل المكان وظلال العتبات. النادي الأدبي الثّقافي- جدّة، الطّبعة الأولى.
4. الحجمري، عبد الفتاح. (1996) . عتبات النّص. الدّار البيضاء.
5. فحماوي وتد، عايدة. (2013). في حضرة غيابه، تحولات "قصيدة الهويّة" في شعر محمود درويش. إصدار: مجمع القاسمي للّغة العربيّة، أكاديميّة القاسمي ومكتبة كلّ شيء. حيفا.

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1785