فرحٌ هادئ في قصَّةِ "تأهيلٍ" دافئ

بقلم : كيان أمين فارس - الرامة,
تاريخ النشر 22/08/2013 - 05:22:12 pm

في خضَمِّ صيف حارّ لهّاب، وفي ثاني أسابيع شهر آب، بينما كنت منهمكا في مطالعة كتاب، شدّتني أذناي الى صوت أتى من بعيد، يهمّ نحونا باسراع شديد، كأنه يعمّ بخطابه اهل القرية جمعاء، ويبثّ دعوة لحضور مناسبة غرّاء.
لم ينفك الصوت مبتعدا حتى واكبتني امي وهي تقول: ((سيتزوّج جارك في حارتنا القديمة! متى سنفرح فيك؟ ونرى احفادنا بنيك؟ متى نزيّن لياليك؟!)). لم ألبث افكّر فيما قالت حتى نبهَّتني الّا انسى هذا الحدث اللازم، يوم الجمعة القادم.
ومن وحدة البيت وافلاسها والانفرادية وأياسها وتقوقع النفس ويباسها، الى حارتنا القديمة، الى مسقط رأسي، الى بيتنا المتوّج بالقرميد العتيق الاحمر، حيث التفاف أشجار الصنوبر التي يكاد من اوتار بلابلها اللحن ان يتفجّر..
وصلنا الى الميدان! هناك، حيث الولائم والعزائم، والترتيب والترحيب والدعوات وموجات الفرح الهائجة من اعماق قلوب صادقة داعية باليمن والبركات، متّجهة بنوايا سليمة، كأنّ الزواج غاية طال انتظار بلوغها، او كأنّ ما يحدث هو بغية كل ذوي العرسان، في اشهار العرس والشّعور ملؤه ترقرق الألحان..
وبعد تلك الدفعة الهائلة من السلام والكلام، ومن باب "النّخوة" التلقائيّة، تكاتفت الأيدي في تجهيز كافّة "الواجبات" على الموائد والطّرقات، واتمام نصب "الشّوادر" المعلّقة بين الارض والسّماء، لتضفي على أجواء العرس اثيرًا صافيا ينقّي خيوط الشمس الذّهبية الصفراء، وننعم ببيئة فضيّة نقيّة ملساء، فيتسنّى للضيوف الأعزّاء ان يشاركونا الفرح على أتمّ وجه واحسن استواء..
لقد حان موعد جلب العروس، واصطفّت السيّارات متهيّئة للمسير، الى احضار العروس من بيت اهلها، وفق العادات الخالدة والمراسيم الراسخة الصامدة.. لم أعد أذكر مع من ذهبت، لكنني أذكر تماما كيف وقف والد العريس وتوجّه بالطلب من اقربائه وانسبائه بالتفضّل باداء المرسوم، بعد ان وجّه التحيّة على العموم. وسرعان ما لبّى الدعوة شيخ جليل، لم اعرف اسمه وما رايته الا القليل، وبعد ان سلسل عائلة اهلها، وطلب المباركة في نقلها من بيتها الى بيتها، خرجت بتلك العباءة "الرماديّة" التي تغطّي بياضا ناصعا، واساريرها متربّعة خلف "طرحة" حريرا لامعا، يبرق منه وميض دمع يختلج مقلتيها، ينبع من حزن احمر ويصب في قناة الفرح الاكبر، يجرّها اخواها الاكبر والاصغر، وتنتظرها سيّارة محلّاة بالألوان وبريق الجوهر، مزيّنة بوشاح يطغى عليه اللون الأخضر..
ومن وداع "النّسائب" الجدد وتشكر العطايا، الى استقبال الكنة الجديدة، في فرح اديب حدّه "زغروتة" فريدة، ورمزه طبع خميرتين فوق المدخل بعد اماطة الطرحة وفق النَّهجِ الأكمل..
وحال التجمّع والوصول، تشرّف والد العريس مع ذويه وأهليه، بالدّعوة لتناول الطعام، من لسان سخيّ كريم مقدام، يسيطر على حروفه حب مجابرة ضيوفه، وينهل من افواههم دعاء "يُمَوسِقُ" صفاء نيّاتهم..
ومن "هَمَكةِ" التحضير والترتيب والاستقبال والترحيب، وافواج الضيوف المنتهية والمتجدّدة، جاء دورنا في تناول الوليمة المفعمة بالسخاء، على مائدة كريمة ملؤها الراحة والهناء، تطيب لصداها الأذن والجوارح، هادئة البال، لا تنتابها حشرجة الليالي المقلقة، ولا تعكر صفوها ضوضاء "الميكروفون" المنبعثة من افواه "المُطرِبين" المدلّعين، الذين يسلبون كل بهجة الفرح المثالي، بأنغام ضاقت بسمعها الليالي!
ما أجملها من وليمة من رائحة الفردوس، هادئة صامتة، كأنّها تحلل في صمتها ألغاز الكون.. ليست كالموائد الخضراء التي حُفّت في قاعها وجوهٌ صفراء، وعيون تلتهب وقلوب تضطرب، وكفوف أيادٍ منقبضة اغلقتها أحقاد البخل المنتفضة.. ليست كالولائم التي لوّثتها كاسات الخمور والمسكرات، فأفسدت مزاج الأدمغة وهزمت العبارات.. ترميك عنها عليلا ذليلا بعد ان أجلستك اليها سليما جليلا، وتحوطها مراقص تفسد الأخلاق وتقطع الأعناق بقطع مناهل الأرزاق..
ما أجمله من فرح هادئ، زكّى ما في القلوب من مرافئ ليجسّدها لسُفُنِه موانئ.. عدّلت تفاعل الجوارح بالبرّ، أعاده الله تعالى على "العائزين" باليُمن والخير. 

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.من احب الاسد امين قبل الشبل كيانعرفت والدك الجليل صاحب العزة غزير الغيرة الاخ امين ،قبل اثنين واربعين عاما“. عرفت الشهامة فيه والقيم المزوجة بالشرع والدين الحنيف هكذا عرفناه يا ايها الشيخ ولا عجب ان تكون هذا الشبل من ذاك الاسد . وفقك الله وسدد خطاك.22/08/2013 - 05:40:18 pm
2.معروفية لا تهاب الموت لكن تهاب الآتيمساء الصفاء والنقاء للكيان، شيخ من خيرة مشايخ الطائفة الدرزية في البلاد رغم صغر السن (أطال الله عمرك). بداية أحييك على ما خطته أناملك الطاهرة والسجع في الأسلوب ووقعه الطيب على القلوب. طائفتنا من حيث العادات والقيم اشترت الدنيا وأصبحت هويتها المعروفية الأصيلة والكيان في خبر كان. لكن، هل سنبقى مكتوفي الأيدي إزاء هذا الوضع؟ لست أتساءل إلا حول دور المجلس الديني الدّرزي الأعلى في البلاد حول ما يجري من بلبلة في القرى الدرزيّة في قضايا الأفراح والمسموحات والممنوعات، ودون أن نغوص أكثر فيما يجري أتساءل فقط هل للمجلس الديني برئيسه الروحي ومشايخنا الأفاضل الكبار في الطائفة المسكينة في هذي البلاد دور وسلطة في تسيير أمور الخلوات في قرانا وسن "القوانين"؟ وإن كان لهؤلاء السلطة والواجب تجاهنا لماذا لا تكون هنالك قوانين عامّة واحدة وموحدة لجميع الخلوات في البلاد؟! أتعجب لهذا الصمت الفظيع والمخيف من قبل المجلس الديني تجاه ما يدور في قرانا. المحاضرات الدينية ليست كافية، الترميمات الفائضة في المقامات غير ملحّة. كفانا تقصيرًا تجاه طائفتنا المعروفية فطريقنا لن تكون إلا إلى الزّوال. أشكرك شيخ كيان على هذه القصة المؤثرة وما تحمله من معاني تساوي ألف قصة. بوركت .22/08/2013 - 06:20:44 pm
3.من أحفاذ الأسد سلطانلربما مشاغل الحياه كثيره لدرجه أننا بدءنا نتجاهل أمور مهمه كهذي الامور لكني دوما احني راسي احتراما وتقديرا لافكارك وكلماتك الأحلى من العسل كلمات مقنعه تدلنا على الحقيقه كلماتك نورا لمن لا يرى شكرًا لكي عزيزي انت ترسم جيل جديد وبالمناسبه أريد ان انتهز الفرصه لابارك لك على تالقلك في سلك الدراسه وحصولك على شاهده مهندس بيوخيميا من التخنيون مبروك والى الامام انشالله23/08/2013 - 01:08:12 am
4.درزيةاللة يعطيك العافية فكرة كثير مهمة ومعبرة منتمنالك كل تقدم ونجاح في كل المجالات الحياتية والاجتماعية والعلمية وتوصل اعلى المراتب على الصعيد المهني والديني .....23/08/2013 - 01:11:51 am
5.رامويهالله يا كيان الله لما تذكرنا بالله… يسلم ملافظك قصه معبره جداً نتمنى من الجميع ان يفهمها … وان يفهم فحواها وان يتنازل شعبنا العاصي قليلاً عن تعجرفه وانتقاده لكل اتجاه يخطيه مشايخنا الافاضل ويفهم معنى العرس المطنطن ولم اقل فرح لان الفرح الحقيقي ليس بالمزامير وانما بتاهيل العروسين على العادات المتبعه الجميله عن لسان الله تعالى ؛(سأل أبليس الله تعالى ماهي صلاتي في دار الدنيا ? فاجاب تعالى ؛ المزامير … وماذا يحدث وحدث يرينا كم معاصي ومشاكل واحزان نتجت من تفاعل هذه المناسبات التي تسمونها افراح… انشالله نفرح فيك يا اغلى كيان يلي كلامك كلو جواهر ودرر وبدو ناس زيك عشين تفهموا الله يحميك23/08/2013 - 02:16:29 pm
6.موحده رافعه راسياولاً تقديري لكيان فوق مستوى الكلام فاختصر بقولي لك الله يكثر من امثالك… مع احترامي للمعلقه رقم2… اردت ان تسمحي لي بتذكيرك بان ما يحدث في مجتمعنا الدرزي سببه الرـءيسي الاهل وليس القياده الدرزيه والمجلس الديني الاهل يسوقون اولادهم الي ما يريدون فالعيب بالاهل وليس بالمجلس او القياده23/08/2013 - 02:34:45 pm
7.واحدهلله يسلم ثمك يا كيان والله الدنيا وبعض الناس والاعراس صايرين يقرفوا24/08/2013 - 11:19:26 am
8.يوسف عامروفقك الله وسدد خطاك 1.. مبرووووك الشهادة قدما والى الامام 2... انشالله منشوفك عريس بالقريب العاجل24/08/2013 - 07:41:42 pm
9.meكل الاحترام والتقدير كيان يازينه شباب البلدان… موضوع مهم مع تواجد المناسبات يطرح هذا السؤال لماذا لايشارك المشايخ في اعراس الفرح او اعراس الموسيقى والخمور… ما ذكرت وكتبت كفيل بالاجابه على هذه الاسـءله،كل الاحترام لك ويسلم ملافظك ملا حظه تلفت النظر بان جميع المتظاهرين بالفرح واعراسهم فرح ،اكثر ناس يجب ان يحزنوا وعندهم مشاكل واللي في شوكه بتخوزو وبعدين بخلص العرس من هون وببلش الحكي هاي شو لابسه هذا سكر اما مستوى …24/08/2013 - 08:39:30 pm
10.لرقم ٩والله كلامك درر العراسه خصوصا الفرح كلها لقلقه25/08/2013 - 01:07:16 pm

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1729