الليالي المقدسة والعيد المبارك والأخطار الكامنة

بقلم: فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف - الرئيس الروحي للطائفة الدرزية,
تاريخ النشر 03/10/2014 - 12:15:54 pm

منذ ألف عام ونيف ، بدأت دعوة التوحيد , ونشأ الكيان الدرزي في هذا الشرق الحبيب , وراح هذا الكيان يسير مع الزمن ويتطوّر ويتقدّم , على هدى الإيمان والفضائل  والقيَم التي يُجسدها دين التوحيد في عيد الأضحى المبارك , بكل معانيها  وجوانبها , وأهدافها الاخلاقية والاجتماعية والدينية . مع اقتراب العيد المبارك الميمون  تبدأ النفوس التي تتحلى بالتوحيد , بالتوقع , والترقب , وانتظار حلول ليالي العُشر المباركة , وتصبو , في نهايتها , إلى استقبال الأضحى بالشعائر الدينية , التي تليق بمقامه المبارك المجيد .
ما أجمل تلك الأوقات , التي يلتقي بها إخوان الدين , في رحاب الخلوات الطاهرة المتواضعة , التي تشعّ بالتقوى  والإيمان , اللذان يكتنفان المجتمعين والمصلين في ربوعها , وما أجمل أن يعلم كل مؤمن يتربّع في باحة الخلوة , أنه يشارك آلاف المؤمنين من أهل التوحيد , صلواتهم  وابتهالاتهم واستعداداتهم لاستقبال العيد المبارك , فهذا الشعور يكسب الإنسان  الثقة  والقوة والمعرفة أنه ينتمي إلى طائفة لها جذور  وعراقة  وأصالة , ولها طقوس  ومناسبات  وأعياد , وأهداف عليا تُعلل الحياة البشرية , وتطلعات الانسان فيها ,  وأعماله . هذا الشعور , حينما يتشبّع بالصلوات القدسية , وبالأشعار الروحانية , والجو الديني الصافي , الذي يسود الخلوات  في ليالي العشر  وفي السهرات التي تسبق ليالي العشر ,
هذه الأيام المباركة , الأيام العشرة الأوائل مِن ذي الحجة , والتي قال فيها الرسول الكريم : " أفضل ايام الدنيا أيامُ العُشر " وقال : " ما مِن أيَّامٍ , العمل الصالح فيها أحَبُّ الى الله مِن هذه الأيام ".
هذا الوضع , يسمو بالنفوس  وبالأفكار  إلى أرقى درجات الإيمان , وإلى أجمل وأعظم مباهج الحياة  التي تحوي الارتقاء  إلى أسمى ما يمكن أن يبلغه إنسان , من ناحية العقيدة والمعرفة  والتمازُج والأحاسيس القدسية الأصيلة .
كل جلسة روحية , في السهرات القدسية , تعزل الإنسان عن المحيط الذي يعيش فيه , فيتحد مع باريه , وتُبعه عن الهموم والمشاكل العادية المألوفة , وغير العادية , المتواجدة عند كل إنسان , وتكسبه متعة روحية فريدة من نوعها , تدفعه إلى الاندماج  والمشاركة  والمتابعة , مع باقي إخوان الدين , في هذا الجو الروحاني المنبسط الرحيب .
مِن خلال مشاركتهِ في السهرات الدينية , ربما يتمكن الفرد منا أن يتغلّب على مشاكله وهمومه الشخصية , وربما يستطيع هذا الجو الروحاني أن يكسبه التصميم  والعزيمة والقدرة على تسوية كافة العقبات الشخصية والمشاكل , لكنه لا يستطيع أن ينسيه الهموم  والمشاكل والأخطار التي تواجه الطائفة ككل . وهذه الهموم والمشاكل  تتطلب التعامل معها بأسلوب يناسبها , مبني على التكاتف بين جميع أبناء الطائفة في كل مكان وزمان , ورص الصفوف من أجل مواجهتها والتغلب عليها . وقد استطاع الموحدون الدروز , والحمد لله ,  مزوّدين بعقيدتهم  وإيمانهم , خلال مئات السنين , أن يتغلبوا على كافة الصعوبات التي واجهتهم , والحمد لله تعالى , وأن يستمروا في مسيرتهم التوحيدية حتى يومنا هذا , لكن الأخطار المحدقة , بالطائفة , خاصة في الآونة الأخيرة , وخاصة بإخواننا دروز سوريا , هي جسيمة وحقيقية , وهناك خطورة في وجودها  ومِن تفاقمها , من  حيث ظهرت في العالم العربي الحديث , وللأسف ,  عناصر جديدة , تكفيرية  فتاكة و تهدد العالم بأسره , وسكانه , باسم الاسلام زوراً وبهتانا , بالدمار والخراب , وبما في ذلك أبناء الطائفة الدرزية , وهذه العناصر , لا تعرف الرحمة , ولا العدل ولا العدالة  ولا الحرية , ولا صلةَ لها بالإسلام الذي تدَّعي , والذي تقوم  باسمه بأبشع وأفظع الكبائر التي نهى عنها الله , تعالى وتبارك , والإسلام منها براء ، خاصة وأنها تعتبر كل من ليس منهم كافرا  يستحق القتل والتعذيب والتنكيل , تماما مثلما كان في أحلك الظروف والأوقات الغابرة , التي مر بها الجنس البشري . ونحن , وفي مثل هذا الحال , ومن هذا المنطلق ، لا بُد لنا مِن أن نعود الى ديننا الحنيف لنعمل بوصاياه لنا , وبالذات الى مَن كانت من اعمدة هذا الدين , وصية حفظ الأخوان , والتي تُحتم علينا الوقوف الى جانب مَن يلحقهُ الضيم مِن إخواننا فنُعاضدهُ ونشد مِن أزره ونفتديه بالنفس والنفيس أينما وُجد , وفي كل زمان ومكان . الى جانب ذلك , وبموجب معنى  الأضحى (العيد) , وبناءً على الفضائل التي تشرّبناها خلال ليالي العشر المباركة , علينا  أن نصفي نوايانا , ونُطهِّر قلوبنا , ونُنقي أفكارنا , ونمد واحدنا للآخر يد العون والمساعدة , وأن ننسى الضغائن والأحقاد ونترفع عن الصغائر , ونتنحى عن الأطماع الشخصية , والنزعات الفردية , وأن نضحّي ونتسامح ونتصافى , وأن نشعر أننا أهل بيت واحد , هدفنا سامٍ واحد , يتمحور في المحافظة على دين التوحيد وصيانتهُ مِن كل رجسٍ وشائبة ,  وهو الذي تحيطه أخطار جسيمة في هذه الايام , وعليه , علينا أن نتوحّد لكي نستطيع أن نجابه كل هذه المصائب والأخطار , التي قد تفتك به . كلنا أمل في أن يوحدنا صفاء النفس الذي يسود المصلين في ليالي العشر المباركة , وأن يرقى بنا إلى منازل عالية من التسامح , والأخوة والتضحية . هكذا فقط , يمكننا أن نتجاوز , ما يحيق بنا من محنٍ  تُهدد كياننا , ونستطيع , بعونه تعالى , أن نستمر في الحفاظ على مجتمعاتنا , ومعتقداتنا وصلواتنا داخل خلواتنا  التي نشعر بداخلها ومن خلالها قُرب الخالِق منا , ونشعُر بعظمتهِ وجبروته الا متناهيتان .
ومما يسعدنا ويشجعنا ويثلج صدورنا  هو أننا على يقينٍ أن الطائفة الدرزية  تضم بين ظهرانيها طاقات هائلة من الإمكانيات والقدرات والشجاعة , والإقدام , ومن الفضائل  والأخلاق والسجايا الحسنة التي بمقدورها أن تجعلنا نتغلب على كل نائبة قد تنتابنا , إذا آمنا بقدراتنا وبثقتنا بأنفسنا , وباعتمادنا على بارينا وخالقنا الذي أراد لنا الوجود لحكمةٍ وإرادةٍ من عظيم جلاله , وأكسبنا ما يميّز طائفتنا مِن علمٍ ودرايةٍ , وبعث إلينا بالرسُل والأنبياء المكرمين , والأولياء والمشايخ الصالحين الذين ببركتهم وبهممهم جعلونا نخترق كل الحواجز , ونذلل الأخطار والصعوبات , ونشقّ طريقتا إلى التوحيد , نور الحق .
بهذه المناسبة الطيِّبة , دعونا نتضرَّع الى العلي القدير , ونصلي جميعًا طالبين العفو والمغفرة , ومن أجل أن نعيش في أمنٍ وأمان وسلمٍ وسلام , في مجتمعٍ متسامحٍ , يحب الواحد منا الآخر , خاليًا من العنف والسلوكيَّات السلبيَّة , خاصة وقد ازدادت في الآونةِ الأخيرة , لجهل الناس بالدين وأصولهِ , وابتعادهم عنه , وهو الذي يأمُرُ بالمعروف وينهي عن العُنف والمُنكر , وتثبيتُ رواسينا على عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة .
في الخِتام , وبهذه المناسبة السعيدة , أتوجه إلى أبنائنا من الجيل الصاعد وأحثهم على التقرب نن الدين والعودة الى الجذور والتمسك بالعادات والتقاليد المعروفية العظيمة , والابتعاد عن البُدع المُضرة بالحياة الفردية والعامة , والامتناع عن العبث واللعب بالألعاب النارية والمفرقعات التي تشكل خطراً مباشراً على سلامتهم وسلامة المحيطين بهم , وأعود وأهيبُ بالجميع نبذ العنف بشتى انواعه وألوانه , اللذي أضحى وباء يعاني منه المجتمع بأسره في كل مكان , ويضمنه قيادة السيارات مِن قبل بعض الشباب الطائش بشكلٍ فيهِ مِن التحدي والغطرسةِ ما لا يُحتَمَل , ضاربين  بِالأنظمةِ و القوانين عرض الحائط , والتحلي بالصبر والتروي والتسامح , لتبقى بهجة العيد مخيمة على الجميع , ولتسود روح المحبة والوئام والألفة ابناء مجتمعنا هذا جميعهم , وتُبقي أيامنا جميعاً أعياداً وأفراح .
أختم كلمتي هذه بالمباركة والتهنئة بالعيد المبارك السعيد لأبناء الطائفة التوحيدية والأمة الاسلامية جمعاء , وبالتوسُل الى العلي الأعلى , جل جلالهُ ، أن يُعيد العيد على  جميع أبناء الطائفة الدرزية , في كل رُكنٍ مِن اركان المعمورة , بالخير واليُمن والبركات , وكل عام والجميع بالف الف خير.

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1847