جمال عبدُه وتجربة الشعر العامي

بقلم : الناقد نور عامر ,
تاريخ النشر 11/03/2013 - 02:04:50 pm

وصل الى يدي ديوان شعر بعنوان " طَار العرِس بالرِّيح " وهو باللغة العامية للشاعر جمال عبدهُ من البقيعة . والشعر هو شعر سواء كان بالعامية أو الفصحى .
لكن ما يميّز الشعر العامي أنه للخاصة والعامة ، يفهمه جميع الناس ، وهو أقرب للفكر والأذهان ، وأكثر جذبا للجمهور ، والدليل الزجل اللبناني نال شعبية واسعة في الأقطار العربية ، وتأثر به الشعراء لدرجة أنك قلمّا تجد في بلادنا شعرا فلسطينيا ، لا سيما الزجل ، إلا ويرشح باللهجة اللبنانية .
المهم في كِلاهُما العامي والفصيح مسألة الجودة ، فهي المقياس الأول . فإذا أجاد الشاعر استحق أن يُسمّى شاعرا ، وإن أخفق فليترك هذه الصناعة ؛ وإلا فإن الزمن كفيل بأن ينثرها بددا !
في الواقع إن جمال عبده يقف الآن بين هذين المفترقين ، ولا نعرف كيف سيكون مستقبله الشعري إذا أراد الإستمرار . لكنني أرَجح بأن الزمن لن يخذله ، وذلك لسببين ، أولا ، انه ما زال يتلمس طريقه في عالم الشعر ، والطريق طويل .. ثانيا ، في شعره نُتَف متفرقة واعدة ، كما في قصيدته الأولى من الديوان " حِلّي البُكل " لا بأس بها فكرة وأسلوبا :
" حِلّي البُكل / خلّي الخصَل تِسرح / للريح شَعرِك نِذِر / عاشطّ قلبي ترقص مْواجو / ويِنجنّ فِيّ البحِر / شيطان شِعْري يُصفُن / يتمتِم بيوت مكسّره / تبلّش بإسمك .. تخلص بإسمك / أَشْكُل سكوتو بْضِحِكتِك / وْفَرفِط عَ مطرح دَعستك / ورد العُمر .. " .
كذلك مقطوعته " شو بدو يكون بدّي " لمحة سريعة ولطيفة تعكس تطلع الإنسان الى الحياة الهادئة البسيطة ، الى الصبح المفعم بالوجه الحسن والأغنية والقهوة :
" ودخلِك / شو بدّو يكون بدّي / من كلّ هالدنيا / وهالكون المعثّر / غير أصحى / كل يوم / عا وجهك / وفيروز / وقهوة بلا سكّر .. " .
والى المقطع الأول من قصيدته لو تعرفي :
" لَو تِعرفي شو كْتَبت عن خَصْرِك / كان قدّستيه / كان لمّا بْتُرُبطي الزُنار / بتعرفي قَدّيش / بِتوجّعي قَلبي نْشَدّيتيه " .
من المعروف أن الشعر العامي يمتاز بالطلاقه وسهولة الألفاظ . وهذا المقطع جاء بخلاف ذلك ، يبدو وكأنه مُقيد ، شُدّ بخيوط غير منظورة ، خاصة هذه ال " نْشَدّيتيه " لا تدور على اللسان !
ونظرة الى القصيدة ككل نجدها تكاد تخلو من الموسيقى التي هي روح الشِعر . وقد ركز الشاعر على " الخصر " فأعطاه حق الأولوية وكرره عدة مرات . وكأن الله ما أبدع في هذه الأنثى سوى خصرها ! وبالمجمل فإن هذا الخصر تعرضَ خمسة عشرة مرة في الديوان . يعني لو كان خصر ( عَشتروت ) ما نال هذا التكريم !
مقطوعته بعنوان " قنطرة " تتحدث عن غزة ، وهي باعتقادي مرشحة للإلغاء ،كونها سطحية ولغتها إخبارية محض :
" إبن تسع سنين من غزة / يضرب حجر ع مجنزرة / ومن المحيط / حتى الخليج / ملايين / عم يترقبوا وخايفين / بْسقف بيتو سمع حجر زغير قال .. / لا تخافي .. / ساندِك يا قنطرة " .
في العامية ــ كما مر معنا ــ هناك ما يُسمّى تحولات الكلام على مستوى الأبجدية . تحذف الألف من الجمع المذكر السالم ، مثل " يترقبوا " في المقطوعة التي أوردناها تكتب يترقبو . وخطأ الألف عند الشاعر ظهر في قصائد أخر : بيروت . نكبة . شهيد . المرابي المغرور . وفي العامية تُحوّل الشين الى سين . سجر بدلا من شجر . تلج بدلا من ثلج . قوس قدح بدلا من قوس قزح . كتب الشاعر " شجر . ثلج . قوس قزح " في قصائده : نكبة . بياض . يا رايح ع البلد .
من صفات الشعر أن يكون عميقا نوعا ما ، وموحيا قدر المستطاع . فأين العمق وأين الإيحاء في المقطوعة التالية :
" ساحِر جمالِك / إلهي / كثير ...مش معقول ../ شو لْ خلاه كُلّو يتجمع بإنسان ؟! / صعب الحقيقة أفقها يوسع جمالِك / إنتي شغل كذبي / مأكّد خلقتي ../ بأول يوم من نيسان "
ربما اعتقدَ بأنه يمتدحها ! لكنه يؤكد أنها " شغل كذبي " وهذا قد لا يروق لها حتى لو كان من باب المداعبة .
وإنْ كان من آفات الشعر مضغ الكلام ، فقصيدته " الشام صورة مبروزة بشريط شوك "  تمثل هذا الجانب . يخبرنا أن هذه القصيدة كتبت بعد محادثة صوتية مع إحدى الصديقات في سوريا .
لنستمع كيف يبدأ ، والبداية في كل قصيدة هي غالبا تحفزنا على الإستمرار بوقعها الطيب في الذهن ، أو تنبهنا بأنْ لا نهدر وقتنا عبثا :
" اهلاً / أهلين / أهلاً .. سامْعِك / كيفِك .. / سامِع .. / كيف حالِك .. "
ما رأيكم ؟ أأنتم على استعداد للمزيد ؟ !  بصراحة كنتُ على وشك الضجر وأنا أتجشم هذه النماذج ! لكن جمال عبده أسعفني بقصيدته الموسومة " حلم لحظة " ننتخب منها السطور التالية :
" مْرقتي بِبالي حِلِم لحظه / شَرْدِة عِطِر مِن شَعرِك المَنْعوف / وْجوز الحلَق عَالمشيِه يِتْمَرجَح / يْحَبرِم وعِنقو يْمِدّ / تَ يْطول من خدّ الورِد بَوسْي / وفُستانك المَكسي / هلْ مِش مْصدّق كيف تَلبِسْتِيه / معجوق فيكي / يْضُمِّك وملهوف / يْنَعنِف الجوري حالُه عَ جْريكي / والخمِر يِتْدَلْدَقْ / حوالي الكاس " 
في هذه القصيدة استطاع الشاعر أن يصّور اللحظة الشعورية تصويرا شائقا . ومن المنصف أن نقيّم هذه القصيدة على انها ومضة موفقة بامتياز ، لعلها شَردتْ من ومضات لم يحن موعدها بعد .

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1815