في نقد الأحّاديات - بقلم كميل شحادة

تاريخ النشر 23/6/2009 12:56

من حين لآخر أُرسل مقالات مختلفة ،مختلفة كثيرا ً أو قليلا ً ، في الأسلوب وفي الموضوع وفي التوجه .. دون أن يعني هذا انني كل يوم أبدل رأي وأغير موقف وأعتنق دين ، إنما هو تعبير متعدد الجوانب لذات الجوهر ، ولذات الغاية ،ومن منطلق ان لكل مقام ٍ مقال .. لكن مع الأسف لاحظت مع الوقت ، ثم تأكدت ان هناك إنتقائية تمارَس في بعض الصحف تجاه الذي أرسله ، ليس فقط فيما يتعلق بالرأي السياسي ، والموقف السياسي الذي يتناول الحدث الراهن والواقع المباشر، دون أن أقول، التيار أو الاتجاه السياسي العام، وإنما تتم الانتقائية فيما يتعلق أيضا ً بوجهة النظر إزاء الحياة في إطلاقها وبالموقف الفكري،الثقافي، الفلسفي من الوجود والكون والتاريخ والإنسان ،وكأن في طرح ذلك فوقيا ًما يهدد أرزاق المحررين ، أو يقوِّض قواعد عملهم .. وحين أرسل - مثلا ً- مقالا ً أو مقالة أعبر فيها عن موقف ناقد للسياسات السلطوية تجاه المواطنين العرب ، فإن الجميع يرحب بذلك ،ولا غبار طبعا ً، لكن عندما أرسل مادة أضمنها نقدا ً لحركات التطرف والأصوليات ،فإن بعض سلطات التحرير لا تستوعب ذلك ولا تسيغه،  وتمتنع عن النشر خلف ذرائع وبراقع مختلفة .. وإذا كان  لابد من تفهّم التوترات الطبيعية القائمة وسط المواجهات المختلفة للأوضاع غير الطبيعية ، الفارضة نفسها على حياتنا كمواطنين عرب وكأقلية في ظل نظام عنصري سادي – لكي ألتمس مبررا ً لدخول العواطف الوطنية والإنسانية في تغليب الوجه السياسي الوطني لصحافتنا ، فإني لا أرى لعدم قبول نشر رؤية فلسفية عرفانية – مثلا ً – أي مبرر ، خصوصا ً وان كان ذلك متعلق بالنظر الى الحياة بعموم ، ولا يتعلق بقضية تاريخية محددة ..  يبقى ان الذي أكشف  بعض الستار عنه من معاناة ورؤية روحية وتعبير فلسفي، يبلغ في تجليه من (الوقاحة والادعاء والغرابة ) بحيث  لا يطيقه محرر تلك الصحيفة أو ذاك، فيكشح عنه ويتحول لما هو أكثر ( تواضعا ً وإلحاحا ً وواقعية ) لكن ان كان هذا الموقف كذلك فعلا ً،كما يتسرب حدسيا ً من قراءته وفهمه ، يعبر عن استمرار إشكالية أحّادياتنا في السياسة وفي الثقافة دون تتطور باتجاه كسر الجمود مع تكاثر الصحف . أحّاديات مقفلة على الذات الغيبي العقائدي، كما لدى الأصوليين الدينيين ، ومقفلة على الذات القومي أو الوضعي ، كما لدى القوميين والعلمانيين ، حيث في هذه الحال لا يمكن الالتقاء مع الفكر الآخر، ولا أقول التعايش معه، حتى على الورق كما يبدو .. لكن الأوجع من ذلك، غياب وعي مختلف (الأحاديات) عن حقيقة قاتلة للجميع ، هي حقيقة انها حين لا تسمح للفكرالآخر بالدخول لرواقها الصحافي فضلا ً عن الدخول الى صالونها ، وهذا من أبسط أوليات الدمقراطية في الصحافة ، فإنها لا تدري انها تعمل بذلك على هدم مبادئها ذاتها التي تعلنها مع كل كلمة تنشرها باسم الصحيفة ، وسواء في ذلك الدينية والقومية والعلمانية ،أو العلمية . بل هي لا تسمح لمبادئها بالنمو أصلا في أجوائها .. مع ذلك لو تفحصنا بعضنا بعضا ً ، ونظرنا بتجرد فيما لدى كل من الآخر ، لوجدنا كثير من نقاط إلتقاء إيجابية مشتركة لدى الجميع ، ولوجب بالتالي ، الانفتاح على بعض انطلاقا ً من تلك النقاط ،لأنه لا مفر من الحقيقة التي تفرض نفسها بين مختلف المذاهب والتيارات والوجهات ، داخل الحدود الحضارية والإنسانية المشتركة .. أريد التأكيد في ختام هذه الكلمة انه من الخطأ اعتبار الذي أقوله هنا شخصي ، رغم صفته الظاهرة ، ولا هو توفيقي بالمعنى الفكري أو السياسي ، وذلك من حيث استحالة انسجام التيارات المتضادة خلف توجه واحد، بحكم قانون التضاد والنسبية ، في المستوى القائم للبشر والأنظمة والأحزاب ، إنما هو توجه جدلي مترفع بقدر ما هو متواضع ، ومنفتح بقدر ما هو خاص ، ولا غبار في أن يكون المرء متعدد التوجهات على قاعدة الصدق ذاته والحرية الجوهرية ذاتها التي هي من طبيعة الخير غير المحسوب ، ومحبة مجانية . بل من الضروري جدليا ًَ وعلميا ً  ان يكون المرء متعدد الصفات بالتعامل مع الواقع في مثل هذا العالم الذي نعيش فيه ، دون ان يُفهم هذا تلونا ً ونفاق ، كما قد يُلتقط بالقراءة السطحية. في كل الأحوال من الصعب على المرء ان يتمتع بهذا المقام، مهما اكتسب من ثقافات، ان لم يستنر بالكشف الروحي العرفاني التجاوزي، الذي يستوعب شتى الاختلافات من حيث كونه لا يُبق ِعليها في نفسه بأية صفة ، بل يتجاوزها دائما ً الى معنًى آخر مختلف ، ولا يقف عند حدودها ، في سبيل الكل والكلي الإنساني ،وإلا كيف يمكن لنا ان نسلط أضواء النقد على الواقع السياسي والاجتماعي والفكري ،لمجتمع واحد، متعدد مختلف ، وما هي شرعية ذلك ومبرره .. ؟! 

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1730