تغريد حبيب تطرق باب الرواية - بقلم الناقد نور عامر

تاريخ النشر 24/07/2012 - 11:37:10 am

كنتُ على وشك العفو عن القرطاس , كي لا يقال بأنني اتعرض لكاتبة في بداية مشوارها الأدبي , لكنني توسمّت موهبة مبشرة , وهي الكاتبة تغريد حبيب من دير حنا , بلد الشاعر شفيق حبيب .
انتهت إلينا روايتها من مائة وثمانية وثمانين صفحة , صدرت حديثا وبعنوان " هل الحب خطيئة يا أبي الكاهن " .
ملخص الرواية دراما عاطفية محورها قصة حب عميقة بين فتاة جميلة ( مادلين ) , ومدرس وسيم ( سمير ) . ويشاء القدر أن يفترقا , وأن يتزوج المدرس بفتاة أخرى , فتتعرض مادلين لصدمة عنيفة , وتبدأ ايام عذابها وألمها , وبعد تفكير طويل تصل الى نتيجة أن الرجوع الى الدين عبادة وسلوكا هو الطريق الوحيد للزهد في الدنيا وترك مغرياتها , فتلجأ الى الدير وتصبح راهبة ؛ وهناك تحاول أن تدير ظهرها للماضي , وان تجعله " ينام على وسادة النسيان " كما تقول .
تذكرني هذا الجملة برواية " الوسادة الخالية " لإحسان عبد القدوس , وكيف أن الشابة الضحية تتعذب وتلقم دموعها لوسادتها , وقد خلت الوسادة من غضارة العشق , بعد أن كانت تضج بالأحلام ...
لا شك أن الكاتبة تأثرت بروايات عربية عاطفية , وهذا التأثر يستشعره كل من أبحر في عالم الروايات وطاف فضاءها .
 افتتحت تغريد روايتها بوصف دقيق للمكان .. مما يوحي بأن القصة واقعية , أمّا في النهاية فلم أفاجأ بموت البطلة لأن أكثر , إن لم يكن معظم الروايات العربية تنتهي بفاجعة  أو  جنازة !!
صراحة لم تكن قراءتي للرواية إلا من باب الإكتشاف ونُتفَة فضول ، كونها رواية تصلح أكثر للناشئة والمراهقين : المشاعر المرهفة , لغة العيون ,  والحب من النظرة الأولى .
هذه الرواية كُتبت بطريقة السرد التقليدي , ومن شروط السرد أن يكون شائقا بالدرجة الأولى , ونسبة التشويق في هذه الرواية مُرضيّة الى حد ما , وكذلك الحبكة لو لم تثقل بحدث أعتبره دخيلا على السياق , كالعلاقة غير الشرعية بين " سناء ويوسف " !
إن القارئ لا يجد عنتاً في اكتشاف رفض الكاتبة لبعض المظاهر والعادات الإجتماعية , مثل زواج البدل , والذي كان السبب المباشر في شقاء مادلين ! ولعل المشهد الأكثر وضوحا لرفضها , حين يخاطب سمير مادلين : " يجب ان اتزوج أنا اخت العريسين , حتى تتم المبادلة بأختي , أتعلمين من أتزوج ؟ . فقاطعته وقد شعرت ان قلبها انشطر الى نصفين : ماذا ؟ ! أيكون الزواج صفقة مقايضة ؟ أتشترى القلوب وتباع ؟ يا إلهي , لا أصدق ... "
هذه الكلمات القليلة المؤثرة هي عُصارة الفصل الخامس من الرواية . حبذا لو أن الكاتبة تنازلت عن شرح زواج المقايضة في الفقرات اللاحقة , فهذا الشرح صيغ بلغة التقرير المحض , والرواية بعامة تفقد رونقها إذا انزلقت الى التقرير وسرد المعلومات . كما حدث في رواية محلية بعنوان " جيلة وعذاب " !
من المعلوم ان الحوار من اهم العناصر التي تتكون منها الرواية , وللحوار – كما مر معنا –مواصفات أهمها التلميح اللطيف والإيحاء الجذاب .
لقد حققت الكاتبة بعضا من هذا , بيد ان بعض الحوار كان فاترا وجافا ! . وإن كان من سبب لهذا الفتور , فالأرجح أن الكاتبة كانت بين حالتين متناقضتين , الأولى حالة تحمس للكتابة , والثانية التأرجح بين التوقف والإنطلاق , ربما خشية الإخفاق , أو لعدم توفر الأجواء الملائمة لحرية الفكر ! 
ونظرة الى الناحية الفنية في الرواية نطلع بنتيجة أنها كانت بحاجة للمزيد من الصقل والجهد . وفنية الرواية في تصوّري , تلك الشحنة المثيرة والممتدة على طول الرواية , والتي تغريك بالإنجذاب اليها عبر مناخ ماتع وقابل للتفكر والتأمل . ونمثل لذلك برواية أحلام مستغانمي
" ذاكرة الجسد " , أو رواية  " الغائب " للدكتورة نوال السعداوي .
وثمّة نقطة ينبغي عدم إغفالها , وهي إحساسنا بحضور الكاتبة طوال النص , وكأنها توجهنا , وتقول لنا : تابعوا هذه الصفحة , ما رأيكم بهذه الشخصية ؟ وما تقديركم لهذا الكلام ؟ .
علما ان الكاتب المتمرس اللّبق يتوارى عن أنظارنا وهو يحرك الأحداث والشخصيات بخيوط غير منظورة , كما في رواية " المصابيح الزرق " لحنا مينا كمثال . يقال أن رواية " الجحر " لكافكا استمدت بعض قوتها من عزلة المؤلف .
أختصرُ مسافة الحديث بالتأكيد أن رواية تغريد حبيب – وبالرغم من ملاحظاتنا – هي تجربة لا بأس بها كبداية , وبداية كهذه تدفعنا للتفاؤل بنتاج آخر قوي وموفق .

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.كاتبلا يعنيني مقال نور عامر عن تغريد , لكنني أحتج انه في مقاله تعرض تلميحا سلبا الى رواية " جيلة وعذاب "وهي للكاتب عاطف خالدي من قرية شعب . وبالمناسبة كنت قد قرأت له مقالا حول هذه الرواية " جيلة وعذاب " ويومها أقصاها تماما عن ميدان الأدب ! وأذكر أن عنوان مقاله كان " نسف رواية عاطف خالدي " . ورد عليه خالدي بما يجب . فلماذا يعود عامر اليوم الى رواية خالدي ؟ ! ألم يكفيه أنه حطمها بقلمه الذي يشبه آلة تكسير الصخور !!!24/07/2012 - 06:08:18 pm
2.قارئةواضح من مقال نور عامر أنه عارف بأصول نقد الرواية ،لكنه أخطأ في تقديره لرواية حنا مينه ( المصابيح الزرق ) فالمؤلف لم يغب عن الرواية إلا في أجزاء قليلة منها ، لعل الناقد انسجم مع الرواية لدرجة أنه لم يشعر بحضور المؤلف ! ولعله أراد أن يرفع من قيمة الرواية الرائعة فعلا .25/07/2012 - 07:24:05 pm
3.شاعرة ...من إحدى المكتبات في الشمال قرأتُ " رواية " تغريد حبيب , وهي من وجهة نظري رواية سطحية وفاشلة ! وجميل أن نور عامر وضع الملاحظات المطلوبة لهذه الرواية , لكنه بالمقابل أعطى الكاتبة فوق ما تستحق !! أستبعد أنه ينافق ! ربما فعل ذلك من منطلق التشجيع .26/07/2012 - 03:58:20 pm
4.شاعرلم أطلع على رواية تغريد , ولا أعرف إن كانت جيدة أو العكس . لكن لفتت نظري الجملة الأخيرة في تعليق رقم 3 , بمعنى أن الناقد يشجع من لا يستحق ! ورأيي في نقادنا بخصوص التشجيع بشكل عام , إن هذا التشجيع حين لا يكون في محله , يساهم في إنتشار وتفشي الأدب الهابط والسطحي . وهذه القضية تسيئ الى أدبنا , وهي ليست ظاهرة صحية على الإطلاق ! ونقادنا مع إحترامي لهم يجاملون ويسايرون ويحتفلون .. وهذا النهج يدفع كل ما هب ودب لدخول الميدان ! . ربما أن نور عامر أقلهم مجاملة كما نرى من كتاباته , لكنه أحيانا يتعامل مع النقد بطريقة المزاج , وهذه نقطة خطرة ! ليت النقاد الأفاضل يسيرون على خط الموضوعية والصراحة , فهذا أفضل لنا ولهم .28/07/2012 - 04:56:56 pm
5.زكريا العمريتحية حارة للاستاذ نور عامر30/07/2012 - 03:03:37 pm
6.الناقد : نور عامرلا ضيرَ إن كانت التعليقات في صالحي أو ضدي , فلكل وجهة نظر , والأمر الجوهري أن لا ينحرف الحوار عن شكله الديموقراطي والموضوعي . وتحية كبيرة الى الصديق الشاعر المبدع زكريا العمري , بلغ تحياتي ايضا الى الصديق الكاتب الرائع ميخائيل سلامه من عمان , والى كل الاخوة والأخوات في رابطة الكتاب الأردنيين .31/07/2012 - 01:47:56 pm

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1815