منير موسى يطرح لغزا - بقلم نور عامر

تاريخ النشر 17/06/2012 - 05:53:45 pm

من خلال مطالعتي للكثير من أشعار الأستاذ منير موسى ، قرية ابو سنان ، تكوّن لدي شبه يقين أن هذا الشاعر لا يهتم بأن يستجيب شعره للذوق العام ، ولا يطمح ان يصبح شاعرا من الوزن الثقيل ، بقدر شغفه أن يقول ما يحس به ويتأثر به،كمتنفس له ، وذلك عبر كلمات تبدو غالبا بسيطة للغاية ، الأمر المحفز للتساول : هل الشعر بهذه السهولة ؟ !
وهذا السؤال يفضي بالضرورة الى ما ادركه النقاد ، لا سيما النقاد القدامى ، ان مهمة الشعر صعبة وشاقة ، باعتبار انها عملية خلق وابتكار  بلاغة وعبقرية. لذلك نجد روادا شعراء يبقون ويخلدون ، وثمّة قوافل تمضي وكأنها لم تكن !
وعن صديقنا منير موسى، لن اراهن على مستقبله الشعري سلبا او ايجابا ، والسبب انه محيّر بعض الشئ ، وسنرى ذلك في سياق الحديث .
" الجماهير تناضل / الجماهير تواصل / سماع صوتها / ورحيق زهرها / يحيي الانسانية / وتزدهر الحرية "
الحس الوطني ظاهر جدا في هذه الكلمات ، إلا أنكَ تميل الى الاعتقاد ان لا شاعرية فيها ! لكن الاستاذ ينقلك الى موضع آخر " تضطر " فيه ان تغيّر رأيك قليلا ، حيال الصورة الشعرية بواقعيتها المطلقة .
" باردة هي الريح تصفر / في هذا اليوم الشتوي / عاصفة هوجاء / تصارع الأشجار والبيوت "
ربما دل هذا المقطع على التشاؤم ، او الشعور بقسوة الطبيعة ، لكن المقطع الذي يليه يخفف من قتامة الصورة ، ويحاول انعاشها ، مما يوحي بأن الشاعر يميل الى التفاؤل ، والتغلب على الظروف ...
" سقطت ثمار الليمون / وتضوع رحيق النّوار / وتناثرت أزرار الورود / وفاح شذاها / وحلقت العصافير في وجل / مسقسقة في خفوت "
لا بأس بهذا التعبير ، لكنني لا أعرف ان كان بالمستطاع أن نسمّيه شعرا ، أو نثرا قريبا من الشعر ! وهذا ما دفعني للتفتيش عن ومضة ساهمت بصقلها ملكة الشعر ، أو على الأقل ثمرة مستغربة ، حتى ظننت بأنني اهتديت الى الغرابة في بيت من  قصيدة للشاعر عن بابلو نيرودا .
" ومزارع الأرز والقصب / الخارجة من اللّهب "
حالة تشبيه كانت يمكن ان تلقى الإستحسان ، لكن في ميدان التشبيه على الشاعر ايضاح مقصده ، والإصابة في التشبيه ، أي أن على وجه الشبه ان يكون ظاهر الإشتراك بين المشبه والمشبه به . والشاعر لم يف هذا الشرط ، ظل التشبيه غامضا وضبابيا ،وكأني بالشاعر يقول للقارئ : عليك بحل الطلسم ، أو اللّغز !
يحضرني في هذا الصدد ابن المعتز في تشبيه البنفسج ، يؤلف بين متباينين ، مما يبعث على الإستغراب والتعجب .
" ولازوردية تزهر بزرقتها / بين الرياض على حمر اليواقيت / كأنها فوق قامات ضعفن بها / أوائل النار في أطراف كبريت "
" واللّغز " الآخر عند الأستاذ ، إستعماله لمفردات مهجورة من زمان ، لا تفهم إلا بقاموس ، مثل " السيسبان ، الشمعدان ، الرئبال ، السحساح ، الخنذيذ "
او قوله " جامحتكِ ساجحتكِ ، سالمتكِ خادنتكِ "
وهذه تبدو وعرة وصعبة على النطق ؛ إن القارئ يحبذ ما ألفته الأسماع والعقول .
ثلاثة واجهات في هذه الأوراق تدعونا للوقوف امامها قليلا . أولا : قصيدة " جوعان يَمّا " ، يتجلى فيها حنين الشاعر الى الماضي ، وشوقه الى أجواء القرية بكل ما فيها من بساطة وطيبة ، والمقطع التالي من القصيدة هو الأكثر تشويقا ، الشاعر يخاطب أمه " ضعي ما عندنا / من مُونة الزيت / والزيتون والزعتر / ولبنة المِعزى / على الطبق المدور / ناوليني رغيفا / من الطّلامي / والخبز الرقيق المقمر/ من قمح البيدر الضاحك / الأسمر "
ثانيا : تأثير البيئة الجغرافية على الشاعر ، وهذا يتضح بوصفه وانشداده الى الجليل في أكثر من مكان .
" سفوح اللازورد الضاحي / أغاريد شذا الفلاّح / حساسين الجليل وطني / ناسه ضَوعة البِطاحِ "
والواجهة الثالثة : ان الشاعر لا يقف بمعزل عن الأحداث السياسية في المنطقة ، وفي العالم العربي ، يعلن رأيه ، ويسجل موقفه الرافض للظلم والباطل ، كذلك يتناول وبشكل تهكمي وطريف شخصية سياسية ، كقوله عن " بيروقراطي " لم يذكر اسمه "  يتقن لعب الشطرنج / وفن المزح / وأساليب الغنج / يحب التملق والخيلاء / وشعبه والأرض والزيتون / ويعاف الفقراء / يحب الموسيقى والعصافير / ويتباهى لا زلت غريرا "
بقيت نقطة واحدة جديرة بالذكر ، وهي ان الشاعر واقعي النزعة ، يأخذ بالحقائق والمسلّمات، ينسجها بأسلوب هو اقرب الى التقرير والمباشرة . ومع ذلك لا تخلو أشعاره من لمحة ذكيّة هنا ، وإشراقة هناك ، وهذا ما يسعف بعضا من هذا الشعر ليظل في حدود المعقول والمقبول .

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.شاعرلست ناقدا ، ولا أتدخل في عمل النقاد ، لكن لكل رأيه ووجهة نظره ، في رأيي أن نور عامر قد قسى على الاستاذ منير موسى ، إذ أغمطه حقه كشاعر ! هكذا نفهم من سياق المقال اذا أمعنا فيه النظر وحللناه . وليست نهاية المقال " في حدود المعقول والمقبول " إلا تحفظا من عامر ،كي لا يعزل الشاعر نهائيا عن ميدان الشعر ، أو ربما تحاشيا للقطع .. تحضرني شعرة معاوية ، دهاء أكثر منها نوايا طيبة !19/06/2012 - 05:33:48 pm
2.om nmoنقد النقد للناقد في تعقيب بسطر او اثنين او ثلاثة سطور .. لا يجوز .. كما لا يصح ما فعله الناقد في تعليق على مقطع لقصيدة او اثنتين او ثلاث للشاعر موسى كحكم نهائي - مع العلم ان عامر لم ختم كلمته فيه بسلب - .. هذا مع اعتقادي انه لا يمكن لناقد ايفاء حق شاعر مع ضرورة النقد طبعا .. اذ ان المنشورات الادبية تحتاج الى ذاك المحك النزيه العميق القافر الشامل اللطيف الدقيق قدر المستطاع .. فعلى الناقد استشعار شعر الشاعر ،على قدر ما على الشاعر من اخذ بالحسبان مشرط الناقد ومحكه الاصيل .. حتى يتلافيا كلاهما : الشاعر والناقد من ان يكونا عابرين ..21/06/2012 - 07:49:21 pm
3.قارئالى om nmo . بعض كلامك فيه منطق , ونفهم من بعضه انه كان يتوجب على الناقد ان يكتب اطروحة او دراسة كاملة عن شعر منير موسى , كي تتضح المسألة ! اعتقد ان جميع الاشكال الادبية من شعر وقصة ونقد الخ.. محبذ ان تتسم باختصار المسافات , وبخاصة في هذا الزمن .. والايجاز احيانا يكون ابلغ من الاطالة , ليس بالضرورة ان نأكل الطبخة كلها لنعرف ان كانت سيئةاو جيدة . بصراحة انا قرأت في الجرائد بعضا مما كتب الشاعر موسى , فلم اطرب من كل ما قرأت ! ولو كنت ناقدا لما اهتممت بهذا الشعر لا من بعيد ولا من قريب . لكن لا يُذَم نور عامر إذ يغربل , في "معمعة" أدبية نحن فيها أشد ما نكون الى الغربلة ! تحياتي للشاعر , والناقد24/06/2012 - 07:18:28 pm
4.زكريا العمريتحية حارة جدا للناقد نور عامر وله مني كل الحب . زكريا العمري 013962777944523 اربد27/06/2012 - 02:36:02 pm

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1815