كلمة فضيلة الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية بمناسبة حلول عيد زيارة سيدنا الخضر ع

تاريخ النشر 23/01/2012 - 05:19:23 pm

مع حلول العام الثاني عشر  من القرن الواحد والعشرين، يطيب لنا أن نجتمع في بداية السنة الجديدة، في مقام سيدنا الخضر عليه السلام، في الزيارة السنوية التقليدية لمقام هذا النبي الكريم، لنحتفل بهذه المناسبة، ونتداول ونتشاور مع المشايخ الأجلاء الأمور الحياتية والشؤون العامة المتعلّقة بطائفتنا الكريمة ، وخاصة الدينية منها وما يتعلّق بالمُحافظة على عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة آملين أن يمُن علينا العزيز القدير بالإلهام  لنجد الحل والجواب مِن خلال هذه المشاورات لأمور كثيرة تتراءى لنا وكأنها  مستعصية وهي في أمس الحاجة إلى المعالجة والحل .
لقد كانت وما زالت الزيارات التقليدية للأنبياء والأولياء الصالحين ، هدفا دينيا قيّما وواجبًا روحانيًّا هامًّا، ولا شك أن لها أبعاد وأهداف ومقاصد أخرى، حيث يلتئم الشمل ويجتمع الإخوان، ويلتقي رجال الدين أهل التوحيد من كافة الأنحاء والقرى، وتجيش المشاعر الدينية، وتُرَسّخ العقائد، وتتقوى أواصر الألفة والمحبة بين الجميع.
ان الأجواء التي تسود المقام الذي يغص بالعمائم البيضاء الناصعة، وبمئات المشايخ الأفاضل، تُعطي، ولا شك، الشعور بوحدة الصف والقوة والأمل في أن هنالك تفاؤل دائم ورجاء وتوقعات، فلا يأس من رحمة الباري ولا قنوط ، ومهما صَعُبت الظروف  ومهما تقسو الأيام، لا بد أن يأتي الفرج من الله سبحانه وتعالى.
 الجميع منا يلاحظ ويرى أن هنالك تجاوزات ومخالفات لأمور الدين ، وأن هنالك ابتعاد عن الأصول وعن العادات والتقاليد التوحيدية ، وللأسف  ، ولطالما اصطدمنا ونصطدم كثيرا "بتصرفاتٍ غير لائقة" وبأعمال غير مناسبة، وبشذوذ وانحراف من قِبل بعض الأفراد ليتها لم تكن وليتنا، كمجتمع، ننبذها ونعود إلى باحة التراث والعادات والأصول والطرق والمناهج ألأصيلة التي سلكها أجدادنا وآباؤنا مِن قبلنا ، عبر وعلى مدار  مئات السنين.
لا بأس، أن نتعلم ونتقدم ونتطور، لا بل انه مُحَبّذ وواجب , وأن نُحَسِّن من ظروف معيشتنا وننفتح على العالم، ونتبادل الخبرات مع الآخرين، ونتعايش مع المجتمعات الأخرى شريطةَ أن نبقى على أصالتنا، وعلى عراقتنا، وأن نحافظ على شخصيتنا وهويّتنا ، وعلى كافة المُقَوِّمات التوحيدية التي أوصِينا بها وأمِرنا بالسير على هديها . لا مانع أن نأخُذ عن ألعالم كل جديد جيّد وحسن , ولنترك لهم عاداتهم ومظاهرهم  وتقاليدهم التي لا تتماشى مع ديننا وعاداتنا وتقاليدنا.
ما مِن شك في أنه  في قرانا، وفي أماكننا المقدسة، وفي خلواتنا، وفي بيوتنا، نشأت خلال ألألف سنة ألماضية ، أكبر عملية توحيدية عريقة ، ظلت قائمة بالرغم من كل العواصف والمحن والشدائد والأزمات ألتي عصفت بها ، وأنها جابهت الإمبراطوريات والجيوش والمدافع والدبابات ألتي حاولت ألنيل منها ومِمَن آمن بها ، وصمدت أمام أكبر الغزاة والفاتحين ، واليوم ، وللأسف ، نراها تتضعضع أمام الإنترنت وأمام التقنيات الحديثة التي اخترعها الإنسان، لكي تُحسِّن حياته، وتقوّي قدراته ومعلوماته وتشحذ أفكاره وذهنه، وعوضًا عن ذلك راح الكثيرون منا ، ولمزيد الأسف ، يسيئون استعمالها، ويركزون على الجوانب السلبية منها وفيها ، ويسيرون في مسالك  غير مناسبة وغير مشروعة وغير لائقة بأبناء التوحيد ، والتي ستودي بسالكيها حتما إلى الضياع.
 كان بودي، وكنت أتمنى أن يكون جميع أبناء الطائفة الدرزية وبناتها، سالكين طرق الدين والتقوى، لكني أعلم أن ذلك لن يكون، ولا يمكن تنفيذه بسهولة، لذلك أتوجّه لجميع أولئك الذين لم يسلكوا طريق الدين، أن يحافظوا على هويتهم، وعلى عاداتهم وتقاليدهم وصبغتهم التوحيدية العريقة , وأُهيبُ بمن هم على هذا المسلك (العلماني) يسيرون أن يظلوا في أطر ونطاق العشيرة التوحيدية، بكل عزتها وعنفوانها، محافظين على الفضائل التي اكتسبناها من خلال تاريخنا العريق، وعن رجالاتنا ومشايخنا على مر العصور.  
مع حلول الزيارة الرسمية لمقام سيدنا الخضر عليه السلام، أتقدم لجميع أبناء العشيرة التوحيدية في البلاد وخارجها، بأسمى التهاني وأطيب التبريكات والتمنيات القلبية، وكلي  آمل في أن يُلهمنا الله سبحانه وتعالى ويوفقنا في أن  ننتصر على نفوسنا وشهواتنا ورغباتنا السلبية، وأن يُقدِّرُنا على أن نفعل ما فيه الخير لمجتمعنا  وكل ما هو حَسَنٌ وللائقٌ مِن التصرُّف مع الغير .
في هذه المناسبة السعيدة لا يسعني الا ان اتقدم بجزيل الشُكر لأهالي قرية كفرياسيف الكرام, بجميع طوائفهم ، وخاصة رئيس المجلس السيد عوني توما ، على حُسن استقبالهم للضيوف والزوار في كل سنة برحابة صدر وكرم أخلاق وسخاء, وأتمنى على المولى  عز وجل أن يوفقهُم ببركة سيدنا الخضر ع ، وأن يديم عليهم الوفاق وحُسن التعايش والجوار .
أعاد المولى علينا هذه الزيارة المباركة بالخير واليُمن والبركات ، وكل عام وأنتم بألف بخير.

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1845