د. منير توما بين الشعر المستساغ والحبر الفج

بقلم - الناقد : نور عامر,
تاريخ النشر 10/12/2011 - 10:48:05 pm



أبى الدكتور منير توما إلا أن ينجز ثلاثة دواوين شعرية دفعة واحدة مودعا بها العام 2011  ، وهي خلاصة سنوات قليلة من العطاء في مختلف الموضوعات الحياتية . 
الملمح الاول الذي استمالني كقيمة اخلاقية عند توما ، هو سعيه للحفاظ على المظهر الاجتماعي الانساني . ولم أفاجأ بهذا كوني خبرت الرجل ولمست طيب معدنه  .  
" سِر يا نقي فالنهر في فيض العذوبة قد حَزم / أبعد رداء الشر ولنعمد الى غالي القيم " . 
ليس باستطاعتي في هذه المقالة المرور عن مئتين وثمانين صفحة ، دواوينه مجتمعة ، إنما المحطات البارزة هي هدفي ، لا سيما هذا التشاؤم وهذا التذمر في اكثر من حالة شعرية . 
" دعوني أرسم لوحة / ألوانها من سواد الليل / وبياض الفجر / واصفرار الشقاء / فالقلب قد مل / ما في النفوس / من حقد ورياء " .  
صورة قاتمة جدا ، لكن الشاعر لم يغلقها تماما بقوله " وبياض الفجر " ، لا يقطع الامل ، لذلك نرى التناقض في قصيدة اخرى .                                                                                        
" لا أحب الليل / لأنكِ انت الصباح / أنتظره .. / بعيون تأبى النوم " . 
ويستمر بالتملص من تذمره رويدا رويدا حتى يصل الى فسحة من الغبطة والحبور . 
" وشمسكِ انا .. لا تستقيم / إلا بأنوار وجه / يبوح بالأمل / عند فجر صيف / لا يعرف الضباب" . لكنه سرعان ما يعود الى قلقه وتبرمه ، فيلجأ مرة أخرى الى المرأة كمسعفة ومنقذة " ما زلت انتظر قدومكِ / كي أحيا من جديد " .
وهو يخشى أن لا تلبي النداء ، فيسلك طريقة الترغيب والإطمئنان . 
" لن تهزمي / مع صبّ / يحترم ايام الصفاء / ولا يفرط أبدا / بأجواء النقاء " .  
في هذه القصيدة ومواقف عاطفية أخرى نكتشف ان الشاعر لا يهتم كثيرا بلغة الجسد قدر ميله الى الهوى العذري ، ويخيّل الي بناء على بعض غزلياته ذات الإيقاع الحزين  ، أنه قد صدم في الماضي صدمة عنيفة ، عاطفية على الأرجح ، فكان لها التأثير المباشر في شعره وذاكرته . 
يلح عليّ سؤال افتراضي : من هذه الإمرأة التي ما زال ينتظرها ، وقد استوطنت ذاكرته وقلبه ، لا تبرح هنيهة إلا لتعود حضورا طاغيا ؟ ! . 
وبمناسبة الذاكرة يتضح لنا أن ذاكرة الشاعر ليست اسفنجية تمتص كل شيئ .. بل هي الذاكرة الجيدة تقوم بعملية الفرز والإختيار من وقائع واحداث ماضية ، منها المفرح والمؤلم ، وبعض هذه الذكريات غير السارة كانت جزءا من احساس الشاعر بعبثية الزمن ، فقال قولا لا يعتبر جديدا في معانيه ، لكنه يعكس بالتأكيد ما يعتمل في نفس الشاعر من ضجر وضيق ، وقد يفسَر خطابه على أنه زاهد في الدنيا غير متعلق بها . 
" يمضي قطار العمر / ونحن تائهون / في دياجير الزلل / تمضي الأيام / ونحن نحلم بأمل باسم / يضيع كل ساعة / دون ملل " .  
ما يجذبنا الى أشعار توما أنها بسيطة واضحة ، وأنه يختزل موضوعاته مع التركيز على النقاط الرئيسة ، وإذا توخينا الصدق في كلماته كميزة تضفي على الشعر جوا من الإرتياح ، يمكننا أن نقوم بعملية قياس الألفاظ عبر قراءة متمعنة متئدة ، فإن كانت الألفاظ ملتوية مترددة ، أو مبتذلة ، فهي ليست في صالح الشاعر ، وإن بدت صريحة وسلسة ، فالشاعر صادق وأصيل . وهو أصيل فعلا الشاعر توما ، وقادر أن يقنعك باستساغة شعره المحمل بالثقافة والتجربة .
 وتراني لا استغرب المستويات المتفاوتة في شعره ، فتارة ينقلني إعجابا وصعدا ، وطورا يرغمني على القول : حبذا لو أنك حذفت من اوراقك القصائد التالية " افكار هاربة . كلمات بلا أجنحة . اختلاجات . ضياع اللون والمسالك " . 
هذه القصائد سطحية وفجة يا صديقي ، كثمرات قطفت دون نضجها ، وبالأصح لا ثمر مطلقا !   هل كان شيطان الشعر مسترخيا ؟! أم أن العوامل والظروف تكوّن مناخا معينا من التفكير .
مما لا جدال فيه أن الحكم في الشعر يجري على الأكثر ، فإن كان الغالب جيدا ، فصاحبه شاعر بحق وحقيق ، وإن كان العكس فالجواب واضح . 
هلا بالدكتور توما في ميدان الشعر الجيد . 

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1809