مروان مخول ، الشاعر الهارب من المألوف الى فُجاج ...

بقلم : نور عامر,
تاريخ النشر 09/04/2011 - 07:50:20 pm



لماذا  اختار لكتابه الأول " أرض الباسيفلورا الحزينة " فقد فسر ذلك تفسيرا مقبولا في البرنامج الإذاعي

 " أوراق " .  إنّما الجوهر يكمن في النص يجاري الحداثة فكرا هدفا ورسالة .

مرتان قرأتُ الديوان وبشغف ، وهذا يدل أن الشاعر المتميز مروان مخول استطاع ان يرتفع باللغة الى فضاء يتوق اليه متذوق الشعر ، وليس بالعه ! .

وكانت " صورة آل غزّة " قصيدته الأولى ، وغزّة المنكوبة أوْلى بالإهتمام  ، يطارحها الشاعر ألمه رؤيته ومشاعره ، وكأنه عاش لب المأساة . هذه القصيدة وإن كانت مؤطرة ضمن مساحة جغرافية ، إلا أنها تنفع في كل زمان ومكان ، حيث كان ويكون ظلم الإنسان للإنسان .                                                                                                                             

" هذا الرّكام المرّ في غزّة / نبتت عليه ذراع / طفل ؛ لوحتْ لله  من يومين / لكن السماء تحجبت / إذ أجرتْ للطائرات محلّها الرمزي ، كي / لا تُرى تلك اليد الحبلى بعنقاء / الرماد وما يسمّى بالأمل " .

صورة شعرية مكثفة تحمل ملامح العدوان ، الإستغاثة ، والصمود . " السماء تحجبت " مبتكرة . أسطورة الفينيق مجدولة في النص ، موظفة توظيفا فنيا .

وفي مقطع آخر من القصيدة " يا موت .. / لا تبحث عن الأطفال / إرحل / فقد ذهبوا الى البرّاد في المشفى بمفردهم / كل الأحبة يسهرون هناك / في الطابق العلوي " حَسنى " أمهم / ماتت على عجل / لكي تحمي مكانا في المقابر للصغار " .

اننا نلمس حدّة البناء التراجيدي ، تهزنا من الداخل ، نمخر اللحظة الأكثر إيلاما وواقعية ، نحس لبرهة بوطأة الزمن ؛ إنها " لعبة " الحقيقة الرابعة في حياة الإنسان ، لكنها موسومة هنا بالصدمة والدهشة ، ثم الغرابة "لكي تحمي مكانا في المقابر للصغار" ، وهذه العناصر من سمات الشعر الهارب من المألوف الى فجاج مشرعة .. لذلك يمكن اعتبار مروان مخول شاعرا متمردا بمفهوم الشخصية المبدعة ، وكيف تسعى لفتح ابواب مجهولة في الشعر المعاصر  .

بيد ان ما يعيق قليلا نشاطه هذا ، إنشغاله بالحوم حول المتوارث . وبالرغم من لهجة الإحتجاج في موضوعه هذا عن غزة ، نستشف الجانب الخفي ينبئ ربّما أن الشاعر يعيش أحيانا " مونولوغا " متوترا ، بين تصديق حصول المعجزات ، أو الإتجاه الى منطق العلم " أين النّبيون القدامى / لا يُنَجّونَ البلايا من رصاص ساذج ؟ / لا بيت في البيت المجاور للنَّجاة .. "  .

 وإن نتابع القصيدة ، تواجهنا جرأة بالغة في الجدل وإبداء الرأي . " ما لي وذا الإنجيل لم يمسح دموع الجرح / يوم يبدّل الجلاّد جلدي ، كي أظل / على ألم ، وأعلى من سقوط الأحجية ؟ ! " .

قلّما نجد شاعرا استطاع التفلّت من تأثير البيئة ، وقد تكون هذه القضية ايضا من أسباب عدم إندياح معظم  شعرنا الى تخوم بعيدة . فالجليل كمثال ، بسحره وسطوة مناخه ملهم للشعراء ، مسحوه مسحا ، فلم يعد فيه من جديد سوى مقياس الألفاظ ، منها المبتذل المجتر ، ومنها المتضوع بالجمالية كهذه القطعة من قصيدة عروس الجليل لمروان مخول " عروس الجليل منطقُنا ؛ / " تل زعتر " يُذكرنا فنشكره / وميرمية ، نشربها لترتوي منّا / هي طير هاجر مع الأسراب / لا ليقتسم الفرارَ ، إنّما / ليدله السرب كيف الرجوع / الى الغصن الشريد " .

في حكاية " بّولا" يعيدنا مروان الى ما يطلق عليه " الشعر القصصي " الذي يعتمد في مادته على ذكر وقائع ، وتصوير حوادث في ثوب قصة ، كما في قصيدة عمر بن أبي ربيعة : ليت هندا أنجزتنا ما تعد .... ) أو في قصيدة ايليا أبو ماضي " التينة الحمقاء " .

المدخل لقصة مروان " لبنانية ، تزوجت صغيرة جدا ، أنجبت .. فترمّلت .. ثم ماتت بعد خمس سنوات " .

قد تكون هذه القصة واقعية أو متخيلة ، إنّما الثري فيها انها تتماوج بطريقة شائقة ومؤثرة ، وهي قصة عميقة ، لأنها تسيطر على عواطفنا ، والسيطرة على العواطف من النقاط  الضرورية لتحقيق العمق في الأدب . نكتفي منها بهذه المساحة .

 " كيف تُزفّينَ وتتركين كنزة الصّبا / تئن في خزانة الماضي حزينة ؟ / أليس الطقس بارد ؟ /  ورحتِ تبحثين عن شقاوة جديدة / إذ تلعبين بالنضوج قبل أن يحين لكْ ؟ / أتذكرين الأمس من أسبوع عمرك الذي / اشترى جمالا من دكاكين الخيال ؟ / أتذكرين كيف صرت زوجة / وعمرك القصير لا يطال شبّاك البلوغ ؟ " .

في موضوع آخر عن القناعة ، كنت على يقين أن بعض الشعر من الأجدى لو حذف  لأنه يخفف من وزن الكتاب . "  الأبطال والنُسّاك جميعهم / يحبونك أيتها القناعة / انا كذلك .. أحبّهم ولكن / لا أحبك . "

كان بإمكان الشاعر التعبير عن طموحه بمستوى أكثر شاعرية .

 

قصيدة " على سيرة سلمى " استحوذت على إعجابي ، لا سيما الفكرة ؛ أذهبُ الى أرسطو ، فسّر الفكرة الجيدة بما معناه : من المفترض أن تثير الإنفعالات ، وأن تسلك الكلام الطبيعي والخالي من التكلف .

" يحكي صديقي عن فتاة / مثل من سرد الخفايا / من سكوت راح ما بعد البعيد ؛ / سلمى تلاقي نفسها / إن تاهت المرآة في أجزاء أنثى / زيّنتْ أنحاءها بالطهر " .

وماذا نقول بعد ، عن هذا الإنجاز الرائع ، المتنوع بمضامينه وإشراقاته ، سوى أنه من أجمل ما قرأتُ مؤخرا على الساحة  المحلية . تحية الى مروان .

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.واقعي ٌ وصريحالى كل من يكتب للوطن - الى جميع الوطنيين المتملقين الزائفين الكاذبين ,, لن تحرروا وطنا ً بالاقلام والكلام الفارغ, وبيوتنا آخذة بالانحناء والزوال , وعاداتنا العربية آخذة بالتغرب والتهود والانحياز ..وشرفنا ضاع بين القيل والقال والمال والشهوة والجنس ! اصلحوا انفسكم وحروا شرفكم لكي تحرروا وطنا ً ليس بوطن !! فلا مخول ٌ ولا عامر يقدر أن يصنع بكلامه شيئا ً ما دام شباننا في الحضيض وفتياتنا في الأحضان ! فاسمعوا وعوا ولا تنسقوا الكلام كذبا ً للإطراء , فتحليل قصيدة لا تجدي نفع بايامنا .. مات محمود درويش وماتت قصائده ولم تحرر فلسطين ! وتشفى الذل فينا وتحرر شرفنا وتحررت نساؤنا قبل ان تتحرر فلسطين الخيالية ! فيا لكم من واهمين نائمين ..!! مخول وقصائده كغيره من الشعراء والقصائد , نضع السكر على الموت ونصف غزة وأطفالها ! ونمدح القصيدة كأنها شهيد ٌ مات ليحرر الوطن ! نعيش باسرائيل ونتلقى جميع الخدمات وندعي الوطنية ,, فيا لنا من كاذبون ,, نبصق بالصحن الذي نأكل منه ,,لا وطنية ولا وطن ان لم نسترجع اعراضنا وشرفنا الذي دفن ! كذب كذب كذب كذب ,, فلتخجلوا ايها المزيفون ارجو النشر من قبل المحرر كمال ابراهيم , والا كنت واحد كمهم واهما ً تدعي الوطنية الكاذبه وقد سمعنا أنك تعطي حق حرية التعبير بالرأي ( إن لم يكن فيه قدح وذم ) وانا لا اذم ولا اشتم ! انشر لعل النائمين يصحوا من سباتهم ,, او لا تنشر لتكون انت أول الواهمين !10/04/2011 - 10:47:39 am
2.جليليالنقد ليس فرشاة دهان وليس مالج طين .11/04/2011 - 03:24:14 pm
3.جليليالنقد ليس فرشاة دهان وليس مالج طين .11/04/2011 - 03:30:53 pm

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1808