ظمَأ النّهارِ إلى النّهارِ

تاريخ النشر 27/12/2010 22:21

شعر: صالح أحمد - عرابة البطوف 

ويطِلُّ فجري...
وكأنَّني ما عشتُ أمنَحُهُ انتِظاري!
وكأنَّني ما عشتُ أمنحُ رَعشَتي لونَ اعتِذاري!
ما كُنتُ أصرُخُ: أيُّها الوَجَعُ المُؤَجَّلُ، إحترق بي، كُن أُواري
هذا دمي، لم يُهدِني لغَةً، ولا عشِقَ التَسكُّعَ في مسارِبِ رغبتي...
وفؤادِيَ العاري أبى يَسقيهِ ناري!
وبَقيتُ في ظِلٍّ لظِلّي يحتَويني.. والصّدى في الأفقِ عارِ
هل أتّقي صبري المُجَمَّرِ بي لأعلِنَ في ضميرِ اللّيلِ:
إن لم أرتَضِع ثَديَ النّهارِ ذوى نَهاري
هل لي غَدٌ؟ هل أرتجيهِ لِيَرتَجيني؟
                    أمسُهُ الطينِيٌّ يغرَقُ في مداري
هاجَرتُ كي أحظى بِلَونٍ يرتَضيني إذ أعودُ بِهِ مَساري
وبقيتُ في ظَمَأٍ، وما احتَضَنَتكَ أقبِيَةُ التّغَرُّبِ يا بِذاري
تلكُم تضاريسُ التّشَظّي :
لا ليلَ لي...
قد غابَ ليلي حينَ غُرِّبَ عن تَضاريس الحكايَةِ حُلمُ أمي.
لا فجرَ لي...
ضَيّعتُ فجري حينَ فارقني النِّدا ليكونَ لحنَ الآهِ في موّالِ أمّي.
لا شمسَ لي...
شمسي تَشَرَّبَها الصَّدى الموجوعِ فوقَ شفاهِ أمّي.
لا بحرَ لي...
والمَوجُ يسكُنُني، وملحُ الاغترابِ مواسمي، وأنا لفرطِ تَلَوُّعي أدعوهُ أمّي.
وذَكَرتُ..
ذاكِرتي اصطفافُ ملامِحي، وحدودُ داري.
وجراءَةُ الأوقاتِ تسكُنُ سطحَنا، وخُطى الزّمانِ تَصيرُنا،
                                        أشباحُ موتٍ تستبيحُ رؤى الصَّحاري.
ونثَرتُ عُذري واعتِذاري:
حينَ تحبَلُ بالظّلالِ ملامِحي، ويَشُقُّ صدرَ الرّيحِ اُمنيَتي،
تبيضُ يمامة الأحلامِ في عُبِّ السّنابِلِ...
تعشَقُ الطّرُقاتُ بَلعي واجتراري!
وعَذَرتُ صَمتي واصطِباري...
مُذ شُلَّ ظهرُ الطَّقسِ.. يرتَجِفُ المَدى .. آهٍ! ردائي الشُّحُّ، والأقدرارُ عُكّازي..
                                             وشمسُ ضُحايَ في أحداقِ عاري
هاجرتُ؟ أم رحلت خُطايَ على حدودِ الصَّمتِ تقتاتُ انبِهاري؟
وأقَمتُ؟ أم سكَنَ الرُّؤى شَفَقٌ تجَمَّرَ دونَ نارِ؟
ورجَعتُ.. حيثُ تَقَمَّصَتني موجَةٌ ضَلَّت لتنقَلِبَ البِحارُ على البِحارِ.
يا موتُ! يا لونَ الشِّراعِ المُستَفيق منَ الدّوارِ على دُواري..
أنَذا أموتُ ليَستَعيدَ بيَ الزّمانُ شِفاهَهُ لتَعيشَ في لغَةِ الصَّحاري
يا موتُ! يا صوتَ انبِثاقِ الحُزنِ في صَخَبِ الملامِح..
سأموتُ كي يسترجِعَ الماضي جراءَتَهُ ويصرُخَ: قلبُ هذا الشَّرقِ ناري.
يا موتُ! يا مَدَّ الزَّمانِ المُستَقي وَهَنَ الخُطى..
كم مرّةً سأموتُ كي يرِثَ الغُبارُ صدى غُباري؟
لا يرتجيني الموتُ، كُنتُ طلَبتُه!
ذا سرُّهُ... ولدَيَّ ناري...
لا سرّ لي...
سرّي ظِلالٌ تستفيقُ بليلةٍ طارت بها أشواقُ أمّي.
لا لونَ لي...
لوني انسحابُ غمامةٍ تُبقي السّنابِلَ ظامِئاتٍ تَستَقي لَمَساتِ أمّي.
لا عُمرَ لي...
عُمري فضاءاتُ الحكاياتِ، ارتِعاشاتُ الرَّجاءِ بقلبِ أمّي.
وَنَسيتُ...
نسياني ارتحالٌ عن زمانٍ لا يُحاوِرُني، خروجٌ عن سُطوري.
وأظلُّ أرحَلُ في عيونِ الموتِ.. يُغرِقُني هَجيري..
أقبلتُ من ظُلَمٍ إلى ظُلَمٍ.. اللّيلُ يسكُنني، والحلمُ ثاري.
وأطلُّ من شُرُفاتِ عمري، التَقي وجَعي، ظلالي النّخلِ.. وحدودي الصّحاري.
تتجاذَبُ الأصداءُ صمتي، تَنسِجُ الصّحرا حَفيفا، من صدا خَطوي.. وتَكتُبُني خُطوطًا في إطارِ
يا عَصفَةَ الأرياحِ تلكَ مَدائِني سَكنَت ضُلوعي، تستعيدُ من النّشورِ صدى نُشوري..
ويُشِعُّ فَجري...
وكأنّني ما عشتُ أختَطِفُ المسارَ من المسارِ!
وكأنني ما عشتُ أروي بالسّدى ظمأ النّهار إلى النّهارِ.

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1809