نظرة في كتاب " كــأن يكــــون " للأديب معين حاطوم – بقلم منير فرو

تاريخ النشر 1/6/2010 23:14

بقلم منير فرّو
 
إن إصدارات الكاتب والأديب ، صاحب الحكمة والفلسفة، إبن الكرمل ، الأخ معين حاطوم، غنية عن التعريف ، فهي كثيرة ، وفي ازدياد دائم، وهذا ان دل على شيء، فانه يدل على ما ينضح به وعاء معين الأدبي الواسع والكبير، وان وعاءه هذا كالنهر الجاري لا ينضب،
 
 فهمسه حكمة، وزمهريره كرملي، وديوانه العشق والادراك، وضحكه وميض الحزن، وذاكرته أنت دم يقطر، وألمه فلسفة، ونبيه الرائع الفلسرالي، وطفله في وجهه العابس، وبسمته من الله ذوت،
 
وشعره بكل اللغات يتكلم، ونبوئته في كل ما يقول، وكأنه في كتابه " كأن يكون"يقول :" لا تخشوا ان تقولوا لا نعلم الشيء فتتعلموه، استيقظوا من جهلكم، عودوا الى اصول المعرفة،اطفئوا وقد الجمر بالرماد، حاولوا الطيران لانكم تقدرون عليه،لا تكتفوا بالبدايات وتنسوا ان الاعمال بنهاياتها"،
 
 فمعين حاطوم عبارة عن "مزيج" من عباقرة غابرين، مثل "فلاسفة اليونان" الباحثين في اسرار الوجود، وكـ "هوميروس" واضع ملحمة اسطورة "الالياذة والاوذيسة" الشعرية، المستوحاة من قصة "طروادة"، والقديمين كأمثال "ابي العلاء المعري"، في انتقاء الكلمات المعجمة، و"دانتي" كاتب "الكوميدية الالهية"، كـ "شكسبير" في "روميو وجوليت"و"هملت انطونيو"و"كيلوبترا" والجديدين كـ "أرنست همنغواي" في كتابه "الشيخ والبحر"، و"جبران خليل جبران" في فلسفته خاصة كتاب "النبي"،و"ميخائيل نعيمة"في شعره وأدبه، و"إيليا أبو ماضي" في فلسفته ونفسيته التسائلية لمعرفة سبب وجوده في هذا الكون،
 
 كما تشمل فلسفته اسلوب الاساطير التوراتية المستوحاة من الحضارة الاشورية السومرية والبابلية والفرعونية المصرية، كقصة خلق ادم وحواء وقصة الطوفان المشابهه لقصة جلجامش وقدموس، اضافة الى المعتقدات والافكار الاخرى كالحياة والموت وتجسيد الالهة ، والحياة الفردوسية بين الانهار العذبة الصافية الرقراقة ، والعشق المبالغ به ليصل الى حد الالهة الى حد " الآنا "، والقوانين الحمورابية وفلسفة الرياضيات في النسبيات، الجزئيات، البعضيات والكماليات والتقاسيم الموسيقية التي هي أصل الرياضيات في تربيعها، وقصص الالهة اليونانية والمصرية والحتشبوتية،
 
 فمعين هو مفكر واديب وشاعر وفيلسوف ورسام ثنائي وثلاثي الابعاد، تعتمد رسوماته على الخطوط، الظل، الاشكال الهندسية، كالدوائر والمثلثات والمربعات والمسدسات، وتوحي عن عمق فلسفته وعبقريته النادرة،،وكتاباته ورسوماته كلها تخضع لانغام موسيقية، فهو مبدع مرهف، وفنان يحس بكل ما يدور حوله، ويحاول رسمها ونثرها على اوراقه، متجاوزا كل الحدود والافاق،
 
 فكتابه " كأن يكون " والذي كان لي الشرف أن أتسلمه منه كهدية، كغيره الكثير من كتبه وغير كتبه، وقد قرأته بسرعة لصغر حجمه ، ووجدت فيه متعة ولذة فكرية ، لما يحويه من لغه متينة ، حسن تعبير، دقة وصف، فلسفة، حكمة، ذكاء خارق، الأدب الساخر، المضحك والمبكي ، النقد ، والقدرة البلاغية مثل استعارة الحيوان في الحوار بدل الإنسان محاكيا بذلك كتاب "كليلة ودمنة" .
 
 إن الكاتب والأديب معين حاطوم ينتقد في كتابه السياسة، رجال السياسة ،أنظمة الدول العربية وتعاطيهم الدكتاتورية، ويذهب الى الوضع اليهودي العربي كونهم يعلمون مدى القرابة بينهم، وما زال الصراع بينهم قائما ، السبب انهم يحاولون عدم التذكر بأنهم أقرباء ، يحملون نفس الجينات ، وأيضا يريد أن يقول كم نحن العرب نخاف الامور الغريبة، فيقول : " فيستعبدنا جهلنا وتخذلنا معرفتنا "، ويصف ذلك بقصة الجمرة التي لا تنطفيء بالرغم من المحاولات بإطفائها بشتى الطرق، ولكن دون جدوى ، فأصبحت هذه الجمرة عقدة متوارثة دينية وسياسية، ولكن الحل الوحيد لاطفاء هذه الجمرة حسب قوله هو :" برمادها " ،
 
 
 ويضيف الكاتب والأديب معين حاطوم مثلا اخر، واصفا الأمة العربية كم هي محبطة ومصابة بعدم القدرة والمقدرة على فعل شيء، فيقول : " قال النسر لوليده الذي ذهب يدرج مرفوفا بجناحيه الصغيرتين : هيا رفرف بجانحيك أكثر وطر في السماء ، فقال النسر الصغير : لا استطيع الطيران ، لا استطيع ! فنبر به النسر الاب قائلا : عليك أن تؤمن بأنك تستطيع الطيران فإن جربت نجحت لانك تملك القدرة ..." ،ونحن العرب، ينقصنا الإرادة والقدرة والتجربة ، حتى نستطيع الطيران ، والسباق مع الشعوب المتحضرة ، والتي غزت شرقنا مستغلة ضعفنا ،
 
 
ويضرب بذلك مثلا آخر يصف فيه كيف الغرب يحتل شرقنا بحجة نشر الحرية، فيقول : " في أحد الأيام قرر قط شرس أن يقتحم أحد الأقفاص ليلتهم أحد عصفورين محجوزين فيه ... وهذه هي الحقيقة، ولكنه ادعى بأنه سيفعل ذلك حبا بالحرية ، فصدّقته الجرذان والفئران وتجمهروا يهتفون باسم القط الذي سيحررهم من الاقفاص والمصائد( كما صفق العراقيون للقوات الأمريكية عند احتلالها العراق بحجة تحريرهم من الطاغية صدام حسين) ... والحقيقة أنا لا أعرف النهاية ... فلم يبق أي فأر وأي عصفور وأي جرذ ليحدثني بالنهاية ... إنه شيء محزن حين لا نعرف النهاية ، والأحزن من ذلك هو أننا نحن أبناء الضاد نعرف البدايات فقط ... أما النهايات فنتركها لغيرنا " .
 
 وقبل النهاية، أريد أن أعود الى بداية الكتاب ، حيث يفتتح الكاتب والأديب معين حاطوم كتابه، بتوجيه خطابا للناس، يريد منهم أن يتعرفوا عليه، مع أنه هو نفسه يجهل ذاته ، لكن يريد أن يتعرف على ذاته من خلال الناس ، ويعتبر هذا الجهل لذاته هوسا ، يصيبه باستمرار . وهكذا جهلنا لحقيقة ذاتنا، يسبب لنا التعب والعناء المستمر ، وهذا يشبه المتيّم العاشق الذي يعيش حياته بقلق واضطراب دائم .
 
وأخيرا أتمنى للكاتب والأديب معين حاطوم المزيد من العطاء ، وأن لا نجهل قيمته الأدبية،النثرية، الشعرية، الفلسفية واستعاراته البلاغية، وصيغتها بجمل وكلمات من صنعه الشخصي، تدل على عبقريته الفريدة والمتميزة،
 
 فقد بحث فيعلمالعروض،وموسيقىالشعرالعربي،وبحور الشعر الضائعة، والنغماتالتيتهمشتواهملت،فقام بمحاولةفريدةمن نوعها عجز غيره ممن سلفه القيام بها،وهياضافةوبناءاوزانوبحورجديدةعلى الشعر العربي، لاقت صدى عالميا، حيث بلغ عددها خمسة بحور، أطلق على كل بحر منها اسما مميزا وهي "بحر الغزل"، و"بحرالطرب"، و"بحرالكرمل"، و"بحرالسمر"، و"بحرالدوالي"، ووضع على كل بحر منها نموذجا شعريا يقتدى به،
 
وأيضا  قام معين بادخال بعض الغرائب في قصصه ، لم نعهدها قديما، ولم نسمع أن كاتبا ما قد استعملها، كمثل "السيمفوسرديّة" ،والتي عبّر عنها بأنها السيمفونيّة المسرودة سردًا، كما جاء في كتابه " وجه الطفل العابس "، وهي تقطيع كلماته، ليجعل منها صدى ،او كأن كلماته تتحرك، وتركض بسرعة، وتخرج منها صدى، كما كلمات السيمفونية التي هي كلمات سجينة على الورق، حتى جاء النطق بها ليفتقها ويوقظها من سجنها وجمودها، كما يفتـّق ويوقظ قطر الندى الزهر باكرا في عيد النيروز كما جاء في "وصف الربيع" للبحتري ، وعلى رأي الفلاسفة أن الكلمات ليست هي التي تتحرر، بل جواهرها الاسيرة بداخلها، وذلك بعد ان تتصور في جواهر الانفس البشرية ، هكذا فعل الكاتب والأديب معين حاطوم، أيقظ الكلمات من سباتها، كمن أحيا الميّت ،وجعلها حية متحركة، تعطي بتحركها نغما موسيقيا سيمفونيا كونسرتيا،
 
 فالكاتب المبدع معين حاطوم هو كنز كرملي دفين ، كشفه لنا الغرباء والاجانب لانه كما قيل في أبواب الحكمة والنبوة : "لا نبي مكرما في بلده " وكما قال معين في كتابه هذا :" شمس الشرق ينقصها الضوء " ، وأنا أقول شمس الكرمل لا ينقصها الضوء الثقافي بوجود شخص كمثل معين حاطوم ، وغيره من الادباء والشعراء، الذي لا بد من يوم فيه يكشف عنهم، ويخرج ضوءهم الساطع والمتلأليء الى الملأ ، ويكونوا بؤرة اشعاع للابداع الادبي، ليس في الكرمل وحسب وانما في العالم ،وكل العالم العربي والغربي على حد سواء، فإلى الأمام يا "أبا شادي"معين، استمر في "سيمفوسردياتك" وحكمك الفلسفية والادبية النثرية وأوزانك وبحورك الشعرية، لتروي بحور وضفاف أدبنا العربي وادبائه، ليبقى أخضرا يانعا، وثوبا براقا فضفاضا وسندسا حريريا، عاش كرملنا بك وبامثالك الادباء، والكتاب والفلاسفة والموهوبين .

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1809