في قصص زكي درويش ، فن ، خيال ، وملاحظات - بقلم نور عامر

تاريخ النشر 15/5/2010 0:35

من المعلوم أن القصة القصيرة  تنقسم الى نوعين ، التحليلية الفنية ، والعادية أو العامة .
وهذه  الأخيرة ليست أقل شأنا من التحليلية ، بل لها جمهور أوسع بكثير ، هذا إذا صيغت
 بيد فنان يعرف كيف يملأ موضوعه بعناصر التشويق ويطوره . كما فعل الكاتب زكي
درويش في مجموعته القصصية " ثلاثة أيام " .
القصة الأولى " العشاء الأخير " هي حدث عادي لأسرة مترابطة متفاهمة تمر بوضع
غير مريح ، وعبر دراما عاطفية مثيرة . والدراما هي روح القصة . برأي " موباسان "
أحد روّاد القصة المشهورين .
اذا أخذنا بمفهوم " هيغل " : أن الفن هو تعبير عن حركة الحياة وانفعالات النفس الداخلية .
فهذه القصة هي فنية بامتياز ، حيث نلمس بوضوح هذه الحركة وهذه الإنفعالات ، معلنة
 وصامتة  في مناخ الأسرة القلق المتوتر . ولعل بعض فنية هذه القصة مستمدة ايضا من
 الطبيعة المساهمة في الحدث ، وبالّلون الذي ينسجم معه ؛ الخريف ، أوراق الكرمة
 المتساقطة ، شجيرات الورد ذابلة ، والمكان يغمره " ظلام كثيف " .
تنتهي القصة عند هذه النقطة ، وبطريقة ما يعرف بالنهايات المفتوحة للقصص . ونهاية
 كهذه تفتح شهية المتلقي للإستزادة ؛ يتصوّر أو يتوقع ماذا سيحدث بعد ئذ ؟! وبذلك
 " يساهم " في كتابة القصة .
ذهب الكاتب الإنكليزي " ويلز " أن القصة هي حكاية تجمع بين الحقيقة والخيال .
وهذا ما حققه زكي درويش في قصته " زهور بيضاء بلون الثلج " ، الشخصية والحافز
والحدث ، محاور رئيسة في هذه القصة التي تعكس التغييرات السلبية التي تطرأ في هذا
 العصر على بنية العلاقات الإجتماعية .
يبرز أمامنا بطل القصة المسن بمظهره العام ، بأحواله الفكرية والنفسية والمرضيّة ، يواجه
واقعا اجتماعيا صعبا ، لكنه يتحمل ويصبر إلى أن تأتيه المفاجأة / الصدمة المذهلة . ينقطع
لديه كل رجاء بلقاء ولديه .  وهنا تصل القصة الى ذروتها وتأخذ طريقها الى النهاية
المقفلة ،وبوتيرة سريعة ، حتى تلامس ما يسمّى " اللحظة المنيرة " ، وهي نقطة الضوء التي يتم فيها التركيز على النهاية . " وقد تتوقف القصة كلها أحيانا على الجملة الأخيرة التي تنتهي بها "
كما أفاد ناقد فرنسي .  وقد كانت النهاية موفقة جدا ومؤثرة ، البطل يبتلع إحباطه بصمت ،
يحس أن لا جدوى من معاكسة الظروف ، يستسلم لواقعه بهدوء ، يستند الى السرير . ربما
يرمز السرير هنا الى نهاية المطاف . لعله الموت ؟ ! : " أغمض عينيه ،شعر أنه يطير
 ويخترق شيئا أبيض لم يستطع تحديده تماما : هل كان ذلك ثلجا ؟ أم ريشا ؟ أم سحابا رقيقا
محمولا على أجنحة ريح خفيفة خفيفة " .
ودونك قصة " الوسيط " كيسنجر على طاولة المفاوضات . لو وُسِمَتْ هذه القصة على
انها مادة ساخرة ، لنظرنا اليها من زاوية اخرى.. لكنها قدمت كقصة ، وسنناقشهاعلى هذا الأساس .
أولا لغة القص متقطعة غير متصلة ، تسمع هنا وتختفي هناك . ثانيا نزول النص الى مستوى
التقرير في المقطعين الخامس والثامن . والقصة عموما بومضاتها السريعة لا تحتمل التفصيل
والتقرير . ثالثا الحضور المكثف للكاتب يرسم ويخطط . ومثل هذا الحضور مطلوب فقط حين
تصاغ  القصة بضمير المتكلم . وهي ليست كذلك . كان من المفضل الغياب الطوعي للكاتب
. يقال ان رواية كافكا " الجحر " استمدت بعض قوتها من عزلة المؤلف . رابعا والاهم  ،
لم يأخذ الكاتب من الشخصية المحورية " الوسيط " سوى الجانب السياسي / الدبلوماسي ،
 وترك باقي الأبعاد  المتعارف عليها فنيا للشخصية . مما تمخض عن حدوث الخلل في
الشخصية  . وأي خلل يحدث في جزء من القصة ، يؤثر سلبا على القصة ككل!
الميزة الإيجابية الوحيدة في هذه القصة أنها طريفة ، تجعلنا نبتسم أو نضحك ،  ثم ننسى الموضوع ! .
ثلاثة قصص بقيت في المجموعة وهي ذات وزن ادبي جيد ، وهي بأحداثها ، مواقفها ،
 أزمتها ، تتراوح تقنية بين الحركات الساكنة ، المتحفزة ، والديناميكية ، كما يقتضي الحال
. والملفت في هذا السياق ان القصص تصقل وتهذب ، ثم تخرج بثوبها الجديد عن إطار
 المألوف ، الى محيط الإهتمام ، وأحيانا الدهشة . مما يتيح لنا قراءة ممتعة ، مع كاتب
يتقن هذا الّلون الجميل ، اسلوبا وحسا ، تجربة وذوقا .

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.سالمما هذا ..... لم افهم شيئاااا انه شرح ممل وغير مفهوم05/06/2013 - 12:32:06 am

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1730