جرائم العنف في ميزان "الجدل" - بقلم كميل شحادة

تاريخ النشر 23/2/2010 21:43

لست صاحب عقيدة صارمة جاهزة مسبقة حيال التاريخ والتطور التاريخي بتفاصيله ، كأصحاب وأتباع بعض المذاهب الحتمية المعروفة وغير المعروفة في ذلك .. لكن جانبًا جوهريًا يبدو في اعتمالات الدفق الزمني المتنوع ،المتفاوت وتيرة ومستوى وذبذبات وموجات، أرى فيه ما يعبر عن فكرة جدل الأضداد القديمة ،والمستحدثة عبر فلسفات ومذاهب عدة ، تجلت مع تقدم الفكر الإنساني .. أرى في هذه الفكرة صحة، والتي تمثلت موضوعيًا، في عقول كثيرة لفلاسفة ومفكرين ،عكست وانعكست في قانون دائم فاعل في أساس التطور التاريخي ، يطو حقيقة تظهر وتتكرر في أشكال مادية وروحية مختلفة ، وليست حرية الاختيار فيها سوى عامل في ضرورة التوجه المرتبطة بالقدرة العقلية على التمييز والفعل ضمن هذه الحركة .. ومناسبة الحديث هنا عن قانون جدل الأضداد ، هو ما نشهده في مجتمعاتنا العربية هذه الأيام من تزايد واتساع في ظاهرة الجريمة في شتى صورها ، حيث إلى جانب ذلك من الطبيعي أن يكثر الحديث ويشتد اهتمام المسئولين والكتاب والباحثين وأولي الأمر .. وما أقدّمه هنا ليس سوى محاولة متواضعة لتطبيق قانون الجدل بمستوى فكري تأملي على هذه الظاهرة .. إذن  ما يجري في هذه الفترة من تزايد وتفاقم في حوادث القتل والنهب والتخريب والعنف، وانحرافات وتعديات وتعاط ٍ للكحول والمخدرات إلخ.. ليس عبثا ً مجردا ً ، وليس مجرد مزاج واستهتار بالقيم ،وصدفة ريح ٍعابرة في المجتمع ، بل هو تعبير عن أكثر من أزمة وعن أكثر من مرحلة انتقال حصرية في وقت واحد، تتمخض بالمجتمع ،متمثلة شتى الدوافع والغايات بصورة متفاوتة في الزخم حيال التغيير المحتم، تعبيرا ًعن التنوع في التوجهات والطموحات لدى مختلف أطياف المجتمع، وفي استقطاب واحد نحو جديد ٍ مرتقب ، يحمل شعور بالحرية أعمق وأوسع، يتسع أكثر من ذي قبل للآخر المختلف . وذلك يجري علينا جبرا ً واختيارا ً كما نوهنا، وبقطع النظر عن المراحل التي قطعتها شعوب أخرى، وقد مرت بالذي نمر فيه نحن العرب . وبغض النظر عن قبولنا واستحساننا لهذه التحولات أوعدمه، فإن تنازع قوى الماضي وقوى الحاضر يشتد بقدر تجذر وترسخ قيمنا الاجتماعية والدينية أكثر بعدا ً في الماضي ، وما تزايد الجريمة في مجتمعنا في هذه المرحلة سوى تعبير عن مرورنا في منعطف حرج وحاد ، ننتقل من خلاله كانتقال نهر من سهل إلى منحدر ، حيث لا بد أن يعود التيار إلى سهل مرة أخرى في جغرافية إجتماعية جديدة ، إلى حالة هادئة – نسبية طبعًا -  وقد نضج واستوى فيها التصالح مع الماضي والحاضر بعقلية مستوعبة متسعة لذلك ، دون أن نعلم مدى بقائنا في المنعطف الراهن ،فذلك منوط بمدى تفتحنا ونضجنا وتطورنا وتحررنا بالعلم والمعرفة .. من هنا تأتي أهمية الثقافة ، ثقافة اتساع النظر وعمقه إزاء النفس والعالم والقوانين والمعارف المختلفة، التي تجعلنا قادرين على التخلي بسهولة أكبر عن أفكار ومفاهيم أضحت مع الوقت أغلال وأثقال لا نفع منها ، حيث بالمقابل نتبنى مفاهيم أنفع  وأصدق وأحق لحاضرنا وأخلص ( لماضينا) ، من حيث عدم جواز تحميل الماضي ما لا علاقة به ولا طاقة له، فأفكار الماضي تصح للماضي ، دون أن يعني هذا بالقطع ان كل ما هو ماض ٍ صار فاسدا ً وان كل جديد صالح بالضرورة ، وأمر تمحيص ذلك من مهام النقد العقلي والإستقراء الجدلي للتاريخ والواقع ..

أقدّم هذه الرؤية ،ولا زلت مصرا ً إلى ان الذي نمر فيه من استفحال في الجريمة على خلفيات أخلاقية ،إجتماعية ، معيشية وغيرها ، لا يختلف كثيراً في المعنى المقابل للانتقال التاريخي في مدىً  أبعد، عن الانتقال الآني من فصل إلى فصل في دورة الطبيعة، من الشتاء للربيع للصيف عبر الخريف – مثلا ً - الذي تكثر فيه أمراض الرشح .. ولعلنا نكابد في هذه المرحلة ( إنفلونزا التطور ) وعلينا استحضار دواء ملائم وناجع من مختبر الثقافة الصحيحة ، ولا داع ٍ لليأس والحزن أكثر من اللزوم فليست هي النهاية وليس هو الدرك الذي ليس بعده شيء .. لكنها الحرية تكابد مخاضاتها في معراج الحياة الخالدة،في النسبي وفي اللامتناهي ..   

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.go get laidpathetic 12/4/2010 20:01

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1809