الأدب في دنيا العرب هل سيصبح أسطورة ؟!! - بقلم نور عامر

تاريخ النشر 15/1/2010 12:18

من ضروريات الحضارة لكل أمة وعي المجتمعات لأهمية التأليف والقراءة " إقرا باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم  الانسان ما لم يعلم " .

هذه الآية الكريمة كانت أول ما نزل  من القرآن الكريم ، تحض على القراءة والكتابة . ومع ذلك تجد أن الأمة العربية والإسلامية اقل الأمم حظا في القراءة ، بحيث لا يزيد معدل قراءة المواطن العربي عن ربع صفحة في العام !. وبخصوص التأليف قد نفاجأ أن في بلجيكا وحدها يصل انتاج الكتب الى 12,000 كتاب سنويا ، مقابل 3000 كتاب للعرب أجمعين .

لقد اصبح الأدب العربي هامشيا في سوق الآداب السائدة . المكتبات اليوم تكاد تكون مهجورة ، والمؤسسات الثقافية تتعامل مع الأدب من منظور نفعي  ، لم يعد قيمة للكتاب بين الجمهور . مما يدفع الأديب ان يأسف على جهده الضائع .على سبيل المثال ، القاص والروائي المغربي المتميز احمد بوزفور رفض جائزة المغرب للكتاب ، لأن كتابه الإبداعي الذي فاز بالجائزة لم يتجاوز رقم مبيعاته الخمسمائة نسخة في بلد يتجاوز عدد سكانه ثلاثين مليون نسمة .

أين نحن من المجتمعات الأوروبية والأمريكية ، يقرؤون شعرا علما وروايات في القطارات والطائرات والحدائق العامة ، يأمون المكتبات ويصطفون بالدور للحصول على نسخة من كتاب جديد .  
بديهي أن هناك مسببات أدت الى إهمال الإنسان العربي للقراءة ، مثل التجهيل المتعمد الذي مورس علينا في القرون الماضية ، ثم ثورة  التكنولوجيا والتقنيات الحديثة ، فانتشار الانترنت وسهولة البحث في الكم الهائل من المعلومات على الانترنت أدت بالكثيرين الى هجر  الكتاب والصحف والمجلات ، فضلا  عن أن العديد من المؤسسات الثقافية أصبحت تتعامل بالنشر الإلكتروني  ، ولكن حتى هذه المواقع الثقافية لا تحظى إلا بالنزر اليسير من القراء العرب .

وقد يكون من باب الموضوعية الإشارة الى مسببات اخرى إنعكست  سلبا على القراءة ، هم الأدباء انفسهم ، فالمشهد الأدبي المعاصر يطفح بأدب الضجيج وأدب الإشاعة ، ثم ابتعاد الأدب لا سيما الشعر عن هموم وقضايا الناس الى مناخات ومتاهات مغرقة بالخيال والغموض ، ناهيك عن التنافس والتزاحم بين الأدباء ، من سيتفوق ومن سيلغي الآخر ومن سيرث الآخر ! .  
الحقيقة المزعجة ان الأدباء  العرب اصبحوا شريحة معزولة اهتماما وتأثيرا ، نحن  نغرد في واد ، والجمهور عنا في واد آخر . الأديب  العربي اليوم هو منتج بدون مستهلك ، مبعثر للوقت في دنيا لا يهمها ما يقول  ! .  نجود بعصارة قلوبنا ورحيق افكارنا فلا نجد سوى الجحود والإهمال !

ولولا هذا الذي يسمّى حافز الكتابة لكنت عفوت عن أوراقي البيْض ، او عملت بقول الإمام الغزالي " غزلت لهم غزلا دقيقا ، فلم أجد لغزلي نساجا فكسرت مغزلي  " .

ومما يزيد الأمر سوءا في وضع ثقافي كهذا ، هو إغماط الأديب حقه في الإنتشار ، لا أقصد الإنتشار في الصحف والمواقع الإلكترونية ، فهذا أصبح متاحا للجميع ، إنما أقصد الإهتمام بالإبداع الحقيقي بأن يبقى في أذهان الناس ، وأن تهتم به المؤسسات الثقافية كأحد اساليب التغذية الثقافية للأجيال الصاعدة .

نعرف الكثير من المبدعين في الوطن العربي لا يحظون بأكثر من  قراءة عابرة ، وإن حظي أحدهم بإضاءة هنا أو نقد هناك ، سرعان ما يعود الى الظل بانتظار فرصة اخرى ! .  
وهذا ينسحب على بلادنا عرب 48 من جيل الشباب وأجيال سابقة هم أدباء مبدعون حقا ، إن لم يكن في كل ما يكتبون ففي الأجواء المشرقة من طفراتهم الملموسة ، كان من المفترض أن ينتشروا إقليميا ــ  أو على الأقل بعضهم ــ بما يتناسب وقدراتهم الكتابية شعرا قصة ورواية ، لكن لسوء حظهم أننا في زمن  اصبح فيه الأديب  كمن يزرع في انثناءات الصخور ! .  
 
  
  

 أمام التراجع الملموس في نسبة القراء ، ظل أن نتصوّر ماذا سيحدث للأدب مستقبلا ، ربما  سيصل معدل قراءة المواطن العربي كلمة واحدة في العام ، أو  لا كلمة على الإطلاق .

أتنبأ أن أدبنا العربي لن يعيش أكثر من عقدين قادمين ، سيصاب الأدباء بالإحباط  التام ، ولن تجد من هو على استعداد أن يكتب ما دام لا أحد يقرأ نتاجه . سيدخل الأدب مرحلة الصمت المطبق ، سيغدو فراشات محنطة تعلق على الجدران كالأيقونات . وبمرور الزمن سيتحول الى اسطورة للأجيال القادمة . سيقولون ، هنا في أرض العرب ، كانت بوتقة تنصهر فيها الأفكار الجميلة والمشاعر الانسانية ، كانت سحابة  قامتها اللازورد والثرى ، من حدود البرتقال الى أقصى النخيل ، فجاءت أمة غير مكترثة وأدت رحم السحابة ، وجعلت بروقها الخضر حطبا يابسا وهشيما تلتهمه الايام .

هذا إذا لم تحدث معجزة تنقذ الأدب من مأزقه ، وتعيد عنفوانه ، وما أهدر من نسغه ظلما وجهلا ، بل جريمة نكراء !.

   
 

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.רמאוי חלו לו ***** אחלה16/1/2010 12:03

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1808