أين اختفت ساعتي?! - بقلم نادر أبو تامر

تاريخ النشر 23/10/2009 21:30

لا تفكروا بشراء ساعة كهدية لشاب في السادسة عشرة. عندما كان نادر أبو تامر في زيارة لبيت صديقه عرف أن جيل اليوم قد يستغني عن هذه الهدية 

كم هي الساعة الآن؟ سأل صديقي ابنه الذي يدرس في الثانوية، فأجابه الولد المؤدب: "لحظة، بابا، بدي أجيب الهاتف الخلوي من حقيبتي، وحقيبتي نسيتها في السيارة، والسيارة مغلقة، والمفتاح في جيب بنطلونك، وبنطلونك في الطابق الثاني، والطابق الثاني...".

"فش حاجة لكل هالغلبة" قاطعه والده بحزم، "الساعة على الحيط ع قبالك يا بابا"..

نظرت بسرعة إلى يدي لأخبره كم الساعة الآن ولأوفر الإحراج والعلقة السخنة على الولد الذي حسب اعتقاده هو على الأقل، لم يرتكب جريمة نكراء.. وتفاجأت أكثر حين نظرت إلى يدي، وتذكرت أنني أنا أيضا لا ألبس ساعة في يدي اليمنى، وتذكرت عندها أنه لا بد أن أنظر إلى يدي اليسرى، لأن الساعة تكون هناك عادة، فحتى عندما كنت صغيرًا كانت المعلمة بدرية، التي كانت مربية صفي طوال خمس سنوات متواصلة، تعلمنا، بصورة قاطعة، أننا إذا أردنا أن نميز اليد اليمنى من اليد اليسرى، فعلينا النظر إلى اليد التي تتواجد عليها الساعة، فهذه اليد، كما قالت معلمتي، يجب أن تكون هي اليد اليسرى، لأن الساعة عليها.

فنظرت بسرعة البرق إلى يدي اليسرى، فلم أجد عليها ساعة هي الأخرى، وعندما علمتني الستّ بدرية، كنت أرى في طريق عودتي إلى البيت مشيا على الأقدام، أنّ كل الناس يلبسون ساعات في اليد اليسرى... وبينما صار عامر يصعد الدرج ليحضر مفاتيح سيارة والده ليخرج منها الحقيبة، ومن ثم يفتح الحقيبة، ليخرج منها الهاتف الخلوي... رمقت هاتفي الخلوي نظرة غضب وحيرة وعرفت على الفور ما الساعة، فناديت على عامر وقلت له وفر عليك الجهد يا عمو، فالساعة هي العاشرة والثلث...

يبدو أن الكثير من المظاهر اختفت من حياتنا، وهذه طبيعة الحياة. حتى احترام الكبير. وان تقف لعجوز في الباص بدأت تتراجع.

عاد عامر إلى حاسوبه وبدا يتصفح مواقع الانترنت. في أحدها، لاحظت ساعة بيغ بن تطل عبر الشاشة مباشرة من العاصمة البريطانية إلى شاشة حاسوبه، وتساءلت لو كانوا يريدون في لندن أن يصمّموا اليوم رمزًا لهذه المدينة الكبرى، ماذا كانوا يختارون؟ وأين اختفت المعادلة التي تتحدث عن دقة الساعات السويسرية؟

وشردت أفكر أين اختفت ساعتي التي كنت ألبسها منذ وعيت على الدنيا.. هل ضاعت؟ وإذا ضاعت، فلماذا لم ابحث عنها؟ هل صرت أنا أيضا من جيل اليوم الذي لم يعد بحاجة لساعة يدوية؟ محتمل.. فهذا الجيل جالس طوال النهار على التشات (الدردشة)، ولا يعلم كم ساعة يقضي هناك: وإذا أراد أن يعرف فالساعة الرقمية في أسفل شاشة الحاسوب تدله بدون أن يجهد نفسه، ثم، وهذا الأهم، فإن الساعة موجودة في الهاتف الخلوي الذي لا يفارقه فما حاجة أولادنا بالساعة...

أجلت ناظريّ في منزل أبي عامر، فوجدت ساعة رقمية على الفرن، وأخرى على الثلاجة، وثالثة على الميكرو، ورابعة على التلفزيون، وساعة إضافية على الرسيفر، ثم هناك الساعة الموجودة في كل سيارة، فَمَنْ أصلا بحاجة لساعة يضعُهَا في يده..

وخطر ببالي أن هذا إيقاع الزمن، دقاته لا تتوقف، وساعة لا تبقى في نفس المكان، بل تواصل دورانها..

وبينما أنا منهمك بقصقصة البذر مع أبي عامر قرع جرس الباب. كانت هذه أم عامر عائدة من مشوار إلى الكنيون (المشرى)، وفي يدها صندوق يحتوي على هدية لعامر، الذي يحتفل بعيد ميلاده السادس عشر.. وهي لا تعرف حتى هذه اللحظة بأن ابنها البكر، ربما مثل كثيرين من أبناء جيله، لم يعُد بحاجة لساعة يضعها في يده

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1809