جولة في رواية فهيم أبوركن بقلم الناقد  نور عامر 

موقع سبيل,
تاريخ النشر 10/06/2017 - 07:03:15 pm

في خضم الأحداث والمشاكل والتعقيدات التي تمر بها المجتمعات البشرية ، أصبحت الرواية مطلوبة أكثر من أي وقت مضى باعتبارها القالب الأدبي الذي يتسع حتى للتفاصيل الدقيقة .

وكوْني من عشاق الرواية أشعر بالإرتياح كلما بزغت رواية محلية ، لكن ليس كل رواية !

سَرني ان الصديق الشاعر الكاتب فهيم ابوركن قد غامر بإصدار روايته " العبوة النازفة " في العام 2015 . لكن هل وفقَ بمغامرته ؟

سنوضح ذلك في السياق .

حسب وجهة نظري ، في الرواية نقطتين أساسيتين ، أمّا أن يقصينا الكاتب خارج النص غير آسفين ، فنعرف ان روايته فاشلة ، وأما ان يدخلنا في أوراقه ، ومن هنا يبدأ نجاح الرواية .

فهيم ابوركن أدخلنا في مناخ روايته منذ الصفحة الاولى ، استهلها بالوصف الجميل :

" كان الجو ربيعياً معتدلاً ، ونسيم البحر الرقيق يداعب شواطئ حيفا ، أما ضوء القمر الفضي فكان ينعكس على وجه الماء ويتكسر مع الأمواج ، والسفينة تمخر عباب البحر ، بينما انوار حيفا ترحل مع الأفق الذي بدأ يبتعد رويداً رويداً "

وفي هذه اللحظات تظهر على متن السفينة الشخصية المحورية أو بطل القصة " أديب " إبن قرية عسفيا يغادر أرض الوطن الى بلاد الغربة ، يحس بأنه ينسلخ عن عالمه ، محيطه ، بيئته وأسرته ، يتوتر ، ينتابه ألم الفراق ، ويستبد به الحنين ، فيذرف دمعة !

نتعاطف معه ، نلاحقه بمشاعرنا كلما ابتعد عن الشاطئ ، نود لو يلغي سفره ويعود !

بافتراض انه عاد ستنتهي القصة عند هذا الحد ولا يبقى للرواية من أثر ! لكن الرواية موجودة بأحداثها وفصولها ، وتقدر بحوالي ثلاثين ألف كلمة ، علماً أن هناك شبه إجماع بأن حجم الرواية يجب أن يصل الى خمسين ألف كلمة في أقل تقدير .

حسب رأيي ان المقياس ليس بالحجم ، إنما بما تتركه الرواية من أثر في النفس ، وبما تتيح لنا من فرص التجاوب معها . ولعل من أسباب تجاوبنا مع " العبوة النازفة " توافر عنصر التشويق ، لاسيما في " المونولوج " أي الحوار الداخلي للشخصية المحوارية  " أديب " . والحوار الداخلي عامةً من سمات الرواية المعاصرة ، فكاتب القصة العصريةكما مر معنايلزم من الناحية الفنيّة برسم شخصيات قصصه من الداخل ، أي من خلال تفكيرها وسلوكها وتجاربها للظروف المحيطة بها .

فهيم ابوركن قام بهذه المهمة بصورة مرضية ، إلا انه ضغط ، أو لنقل أخضع شخصية أديب للكثير من الحوار ، حتى خشيتُ ان يتمرد على الكاتب !

وما دمنا في سيرة الشخصيات والتي هي من الأركان السبعة المعروفة في الأعمال الروائية ، فالشخصيات عند فهيم أبوركن هي شخصيات متنوعة ، منها شخصيات عميقة وشخصيات مسطحة ، كما يقتضيه الحال .. والشخصيات تأخذنا بالضرورة الى الحوار الذي يخفف من رتابة السرد ، ويضفي على الرواية لمسة تجعلها تبدو أكثر واقعية .

وللحوار في الرواية شروط ، منها الإيجاز ، والتلميح اللطيف ، والإيحاء الجذاب . وهذا وارد عند فهيم ابوركن بنسبة لا بأس بها . كنت أحبذ لو ابتعد عن لهجة الخطابة والتطويل ، كما حدث في الحوار بين مشهور وأديب :

" أجاب أديب : يتحتم علينا أن نحقق إحترام قوميتنا ، ونبنيها بناء محكماً ، لا يصدعها تفكك طائفي أو اقليمي أو غيره ، دون أن نمس باستقلالية طوائفنا التراثية أو الدينية ... وإلا لما استطعنا ان نشارك بإحلال سلام اجتماعي في المستقبل على إنسانية هذه المعمورة "

في الواقع ان الرواية لا تحتمل الكثير من الجد ، فهي ليست وثيقة او تاريخ ، بل هي هدف جمالي اكثر منها قصة حقيقية ؛ لم أستغرب ان رواية فهيم كانت في بعض أجزائها جدية للغاية ، كوْنها تتحدث عن واقع صعب معاش ، لكنها حملت الكثير من الملامح الجمالية ، خاصة ان الخيال لعب فيها دوراً جيداً وأضفى على الرواية جواً من المتعة . ومما عزز هذه المتعة مشاعر الإرتياح المتبادلة بين أديب وأحلام ، الأمر الذي ينبئ بأن قصة حب تتهيأ لنسج خيوطها على ظهر السفينة .. والحب بطبيعته هو مادة شائقة تغري المتلقي بالمتابعة والترقب ، وبهذه الطريقة أو هذه التقنية يوصل الكاتب فكرته أو هدفه الرئيس .. وهذا ما فعله جرجي زيدان في قصصه التاريخية ، مثال ، كقصة الحب المثيرة التي اخترعها بين الوزير جعفر واخت الرشيد ، من خلالها وقفنا على نكبة البرامكة بتفاصيلها وتراجيدية أحداثها .

من مقومات الرواية العقدة او الحبكة ، والعقدة تستلزم نوعاً من الصراع ، إذ لا يمكن وجود الصراع بدون عقدة .. في العبوة النازفة كان الصراع جلياً ومثيراً ، وهذا يشير ان الحبكة أدت دورها بامتياز ..

واذا كان الصراع روح الدراما ، فالدراما هي روح القصة . في رواية فهيم كانت الدراما تخفت أحياناً ، أو تنقطع حين تصل الى نقاط لا تناسب المواقف الدرامية العشرة المعروفة ، وفي فصول عديدة كانت الدراما نشطة حيوية تحرك المشاعر وتحفز الذهن ..

في الفصل الأخير من الرواية وصلت الدراما الى قمتها ، حين ألقي القبض على أديب بتهمة أمنية خطيرة هو بريء منها فأودع السجن.. وهكذا يمكن أن نُدرجَ هذه الرواية في إطار ما يسمّى الرواية المفتوحة وليس المغلقة.  

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1780