ما أصعب الفراق على القلوب المتحابة والمتآلفة ..التي عاشت مع بعضها ردحا من الزمن غير قليل ..فكيف إذا كان هذا الفراق بين أهل وأبناء أو بين أبناء وأهل .. خاصة إذا كان فراق ما من بعده لقاء كما كان ..كما هو الحال في الموت..
لقد قيل إن الموت مصيبة ..إلا أننا لا نملك ردا له حينما يأتي ..حيث لا يبقى لدينا سوى الرضى والتسليم لقضاء الله وحكمه ..وقد قهر الله عباده بالموت ..وأبقى سر الروح لديه ..فهو الذي يُعطي وهو الذي يأخذ ولا آعتراض على حكمه وقضائه ..ولا يبقى لدينا سوى الصبر ..لان الله مع الصابرين إذا صبروا ..
فبالموت يتّعض الإنسان ويعترف بعجزه وضعفه أمام قدرة وعظمة الباري ..ويقف خاشعا أمام رهبة الموت وجلاله..ليرجع ويتذكر ويعترف بأن – لا حول ولا قوة الا بالله ..وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
لكن الله منّ علينا بنعمة السلوى والنسيان والتناسي . فرغم أن الموت مصيبة .إلا أننا نعرف أن كل شيء يولد صغيرا ثم يكبر ..إالا المصيبة فإنها تولد كبيرة ثم تصغر ..وهذا شأن الموت ..فرغم كونه مصيبة كبيرة فإنه بالتعازي والمشاركة ننسى حجم المصيبة ..وأحيانا نتناساها ..فتنزل علينا السكينة عندما نُسلّم أمرنا الى الله ونرضى بما كتب وقسم لنا .فإن الموت حق ولا سبيل للهروب منه ..فبالرضا ننال الرضى ..فعندما نرضى بقضاء الله ونصبر على مصيبة الموت ننال الجزاء برضى الخالق ..إذ قيل..من نفذ به قضاء الله وهو صابرا كان مأجورا .ومن نفذ به قضاء الله وهو جازعا كان مأثوما ..
وقد أنعم الله علينا بنعمة التوحيد والعقيدة والإيمان ..وإن الله سبحانه وتعالى قادر أن يحيي العظام وهي رميم ..وأن يُميتنا ثم يُحيينا ثم يُعيدنا تارة أخرى ..إذ أن الخلود للروح والفناء للجسد ..
فبالأمس القريب وفي أيام العُشر الفضيلة قبل عيد الاضحى المبارك.. ودعت المغار الجليلية شيخا جليلا ألا وهو العم الوفي الفاضل المرحوم أبو نمر فندي نمر طريف عن عمر ناهز 96 عاما ..حيث عمّ الحزن سماء هذه القرية الوادعة وتقاطرت الجموع من مختلف القرى لتودع شيخا جليلا فاضلا وعلما من أاعلام المجتمع ..كان مثالا في التواضع ودماثة الأخلاق ونبارسا في قول كلمة الحق وشجاعا في مجابهة الحقيقة ..هذا الشيخ الفاضل الكريم والشجاع .وصاحب البيت الواسع ...الصادق والأمين ..المتواضع والديّان ..والسبّاق إلى الواجب وعمل الخير والإصلاح ..
وُلِد المرحوم العم أابو نمر في عائلة طريف كريمة الأصل والمنبت التي تربطبنا بها علاقة قربى متينة.. وعاش على رزق الحلال أسوة بوالديه ..مُساندا ومعاضدا لهما في العمل والمعيشة ..إلى أن تزوج وبنى أسرة من خيرة أُسَر المغار والمجتمع ..وذلك برفقة زوجة فاضلة ..وصالحة صبورة وشاكرة.. كريمة اليد والنفس مصونة وشريفة بشوشة الوجه ..وقفت إ جانب زوجها في السراء والضراء كحال كل إمرأة أصيلة ..حتى استطاعا سوية بناءأسرة محترمة وتربية نشأ صالح من خيرة البنين والبنات ..
سار هذا الخلف على نهج الأهل وسلوك مسلكهم.. متمسكا بكل القيم والأخلاق التي تربوا عليها ..ليكونوا خير خلف لخير سلف ..في السلوك الحسن والحفاظ على القيم ومشاركة الناس في مختلف مناسباتهم السعيدة منها والحزينة ..
عاملين بما أوصى الله به في القران الكريم – وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ( 23 ) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ( 24 ) )
وقد برهن الأبناء والبنات على تلك التربية الصالحة التي نشأوا وتربوا عليهما ..اذ عملا الليل والنهار على خدمة أهلهما خاصة أثناء المرض ..خاصة الوالد ..الذي عانى من مرض مزمن ألزمه الفراش سنين عديدة ..فكان الأبناء والبنات يتسابقون لخدمته الليل قبل النهار ..دون كلل أو ملل ..حرصين إلى جانب ذلك القيام بالواجب المطلوب نحو المجتمع بأسره ..من مشاركات في الأفراح والأتراح وعيادة المرضى وغيره ..فكانوا وما زالوا السبّاقين لتأدية نداء الواجب ..والمشاركة في كافة المناسبات حلوها ومرها.. حافظين نهج التربية الصالحة التي تربوا عليها في بيت الأهل ..وقد منّ الله على العم أبو نمربخلف صالح ..ليرحل وهو قرير العين ..هم الاستاذ ابو شادي نمر وابو نضال سليمان ...وسعيد وسلمان
 هذا الخلف الذي نعتز بمعرفته وقرابته وصداقته ..فأصبحوا مثالا يُحتذى به ..فأكثر الله من أمثالهم في مجتمعنا حتى يبقى بخير ..
وليقتدي بمثلهم المقتدون وليُسكن الله العم الغالي فندي فسيح جناته وليشمله بواسع رحمته ..وإنا لله وإنا إليه راجعون ..