روميو وجولييت مجتمعنا - بقلم: فؤاد سليمان

تاريخ النشر 22/7/2009 19:50

بقلم : فؤاد سليمان

لقد بدأ الأسبوع بكثير من الأمور التي كان لا بد لها أن تشغلني، فأخيرًا بدل أبي سيّارته العتيقة بسيارة أجد وأورثني سيارته القديمة، التي أظن أنه كان سيواجه صعوبة جمّة في محاولة بيعها. ثم كانت هنالك "زيانة" صديقي وجاري نزار، وإضافًة، فقد استلمت زوجتي في البريد شهادة الدكتوراه. كل هذا جعلني في حالة نفسيّة مميزة، مليئة بالأفكار والأحاسيس المتناقضة. فما كان مني إلا أن جلست في الليل بجانب النافذة المطلّة على البحر، أشرب كأسًا من النبيذ وأدخن وأنا أتأمل حيفا عبر النافذة. ولا أدري لماذا قادتني التداعيات إلى التفكير بعلاقة عاطفيّة عشتها في شبابي. كان ذلك حين كنت أدرس للقب الأول في علم النفس في جامعة حيفا. يومها تعرفت على صبية كانت تتعلم اللغة الانجليزية وتطوّرت بيننا علاقة غرام. الأمر المؤسف هو أن العديد من زملائي الطلاب بدئوا بالـ"مقلتة" حول علاقتنا، مركزين بسطحيّة مثيرة للتقزز على كوني مسيحي وكون الصبيّة مسلمة.
 
بالإمكان القول أن الزواج المختلط بين مسيحي ومسلمة (أو العكس) لا يزال يُنظر له في مجتمعنا بصورة سلبيّة، ومع هذا فإن الوضع قد تحسن عما كان عليه أيام دراستي في الجامعة، فقد صرنا نرى بعض حالات الزواج المختلط وهنالك تقبّل مجتمعي معين لهذا الأمر، خاصّة في أوساط المثقفات والمثقفين الشباب. إنا أتابع هذه الظاهرة منذ أيام الجامعة وعلاقتي مع الصبيّة المسلمة، وربما بسبب تلك العلاقة، وحتى الآن يمكنني القول بأني لا أزال أسمع بين الحين والآخر كلامًا غير لائق وعنصري من ناس أخالطهم، مثل "هاي مش من نفس نوعنا" أو "زوجها مش من دمهن" أو "الّلي بتجوّز من غير ملّتو بموت بعلّتو" وغيرها من الأقوال العنصرية. هذا يزعجني كثيرًا ويجعلني أفكر كيف يمكن لإنسان مسيحي يفهم في الحياة ويدرك ما جاء به الإسلام من ثقافة ووعي، أن يلغي كل هذا وأن يتمترس وراء عنصرية تافهة وبغيضة.
 
مسرحيّة شكسبير الشهيرة "روميو وجولييت" تعالج موضوعًا مشابهًا، والحقيقة هي أن الخلافات العائليّة والقبلية والطائفيّة الناشئة عن علاقات عاطفيّة بين أفراد تفصل بينهم حواجز العائلة والقبيلة والطائفة قد بدأت منذ نشوء الإنسانية. أنا متأكد من أن الأتراك انجذبوا إلى نساء يونانيات وأن الصبايا الروسيات أيام الحرب الباردة كن ينجذبن إلى الشباب الأمريكان. الموضوع يُهم كل من يريد أن يلغي حواجز الكراهية بين المجموعات البشرية ويشكّل تحديًا لمعايير مجتمع عنصري يتسم بالعدوانية تجاه الآخر، وكما هو معروف، فإن مسرحيّة شكسبير تنتهي بانتحار روميو وجولييت، اللذان يزهقان أرواحهما في سبيل حب يتعذر تحقيقه. والكثير من القصص المشابهة اليوم بين مسيحيين ومسلمات (أو العكس)، كقصتي التي ذكرتها، تنتهي بنهايات سلبيّة وإن لم تكن بنفس الزخم التراجيدي الذي أختاره شكسبير نهاية لمسرحيّته. الأمر المفاجئ والباعث على الأمل هو أنني أسمع أحيانًا عن قصص "شكسبيرية" تنتهي بزواج ونهاية سعيدة، وفي ذلك ما يفرحني ويؤكد لي أن مجتمعنا موجود في مرحلة تطوّر.
قبل أن اكتب هذه التداعيات نزلت إلى الشارع المحاذي لبيتنا حيث كان أبي ينتظرني لكي أعيد له بعض الألبومات الموسيقيّة التي "أستلفتها" منه. وأنا أصنّف ما لي وما له من ألبومات، تعلق نظري بألبوم عزف منفرد على العود كنت أستمع اليه مع الصبيّة التي أحببتها أيّام الجامعة. بعد أن عدت إلى البيت وضعت الألبوم في الـ"ستيريو" وإذ بالأغنية تقول: "طلعت يا ما أحلى نورها شمس الشمّوسي". ساعتها فكّرت: "فؤاد، خليها تطلع الشمس الجديدة لمجتمع جديد خال من العنصرية"، ثم فكّرت بالعلاقة التي عشتها مع الصبيّة وبـ"مقلتة" الناس وبروميو وجولييت ووصلت إلى استنتاج مفاده أن التغيير يحدث ببطء ولكنه يحدث. بعدها خطرت على بالي أغنية "روميو وجولييت" للفرقة الأمريكية "ديار ستريتس"، التي تقول أن قصة روميو وجولييت جميلة ولكن ربما أن العصر لم يكن ملائمًا، ثم قلت لنفسي: "بتأمل أن تكون لكل روميو وجولييت في مجتمعنا نهاية سعيدة". أخذت رشفة سيجارة وأنا أفكر في مستقبل أفضل.

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1788