السلطة المحلية، في النظرية والتطبيق (٢)

بقلم المحامي فريد غانم,
تاريخ النشر 31/07/2013 - 06:04:56 pm

نشرنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة مدخلا إلى الموضوع، حاولنا أن نضع فيه الخطوط العامة لموقع السلطة المحلية، على أشكالها، ودورها وشبكة علاقاتها مع المؤسسات الحكومية والرسمية وغير الحكومية، من جهة، وعلاقاتها مع المواطن من جهة ثانية. وأكدت لنا النقاشات في صفحة الفيسبوك والتساؤلات الكثيرة، التي أعقبت الحلقة الأولى، أمرين: الأول، أن الكثيرين يعرفون القليل عن الحكم المحلي ودوره وصلاحياته إلخ،... مما يحفزنا على العمل من أجل توسيع المعرفة في الأمور الأساس في هذا المجال، وثانيا، ضرورة التوضيح أن تعميق المعرفة حول هذا الموضوع من شأنه أن يضع الأمور في نصابها وبحجمها الحقيقي، مما قد يساعد الجمهور في أخذ دوره الفاعل وإشراكه في بناء وتطوير ما يمكن أن نسميه "ثقافة السلطة". وفي كل الحالات، فإن "المعرفة قوة"، وفي حالتنا تنعش المعرفة الأمل في أن نتغلب معا على حالات اليأس التي قد تصيب البعض (من منطلق النوايا الطيبة) وفي إنعاش الثقة بقدرتنا، على أساس من التفاهم والشراكة، على رفع مستوى الخدمات التي تقدمها السلطة ورفع شأن المجتمع الذي نعيش فيه والخوض في آفاق قد نضجت وآن الأوان في أن نباشر فيها ، لمزيد من التطوير وفتح الأبواب. السلطات المحلية ليست تطوعية، وإنما أقيمت وتعمل وفقا لقوانين ومنظومات قانونية، بما فيها ما تشرعه الكنيست (القوانين الرئيسة) وما يصدره الوزراء من أنظمة (תקנות و צווים) وما يصدره المدراء العامون للوزارات من تعليمات (חוזרי מנכ״לים) دورية, فضلا عن القوانين المساعدة التي تسنها السلطة المحلية، والحكومة أًلمشروطة بالتوافق مع القوانين الرئيسة وغيرها من التشريعات وكذلك فإن القوانين المساعدة مشروطة بمصادقة من الوزارة المعنية، ويستغرق العمل فيها والمصادقة عليها وقتا غير قصير، بسبب البيروقراطية في المكاتب الحكومية. بناء على ما تقدم، من المهم أن يدرك المواطن أن رئيس المجلس المحلي ليس مطلق الحرية، والأمر يسري على كل هيئات المجلس المحلي وجهازه، وإنما الجميع يعمل أو يجدر أن يعمل في إطار المنظومة القانونية، الخاضعة لتغييرات وتعديلات في الكثير من الأحيان. فكل الصلاحيات والإجراءات التعاملية (أو المعاملات)، بما فيها الإجراءات التي تبدو للبعض بيروقراطية، وكل المحدوديات والقيود منصوص عليها من خلال المنظومة القانونية بكل مركباتها. كل من يتجاهلها يؤدي أولا إلى تفشي ظاهرة انتهاك القانون، ويفتح الباب على مصراعيه للفوضى والمحسوبيات والتمييز وحتى الفساد، وقد يتعرض لطائلة القانون. في هذا السياق يجدر تأكيد أمرين. الأول أن هنالك قوانين ومنظومات قانونية غير عادلة أو غير منطقية أو غير معقولة أًو لا تناسب مجتمعنا بالكامل، لكن سيادة القانون تحتم احترام القانون، من جهة، والعمل على تغييره، من جهة ثانية، لمن لا يروق له القانون، حتى لو كان رئيسا للحكومة. والأمر الثاني، أن تأطير عمل المجلس المحلي بسلسلة من القوانين والأنظمة يترك مجالا غير واسع من الحرية والقدرة على المناورة، ولكن المهمة الأساس هي كيف يستطيع المجلس المحلي العمل والمناورة والمبادرة، في مساحة هذا الإطار التشريعي، وبالوسائل القانونية والشرعية، ليرفع من مستوى الخدمات للمواطن وأن يحقق المكاسب الإضافية، سواء في القنوات والمجتلات المعمول بها أو التي يجدر استحداثها في الوقت المناسب. السلطة، بما فيها السلطة المركزية، على سبيل المثال، تدير نفسها وتؤدي دورها فيما يتعلق بالميزانيات وصرفها وسلم الأولويات، وفق معايير وحدود تشريعية وبناء على سلسلة من المعطيات، أولها حجم المدخولات. في هذا المجال، يتشابه اقتصاد السلطة مع اقتصاد الأسرة، من حيث المبدأ. فكما أن الأسرة تبني ميزانيتها ومصروفاتها على أساس مدخولها، فإن السلطة تفعل ذلك أيضا وإذا تجاهلت السلطة حجم مدخولاتها فإنها حتما ستدخل في عجز وديون وستصل إلى الانهيار. فالأسرة ملزمة بالصرف وفقا لمدخولها، وإلا أدخلت نفسها في متاهات وديون وعجز، وهذا هو وضع السلطة. ومن يربد أن يكرس المزيد من الأموال فعليه بالضرورة أن يوفر المزيد من المدخولات. والأسرة تقرر سلم الأولويات، بحرية أوسع بكثير من السلطة. وهنالك فروقات بين الأسرة والسلطة، وبين السلطة المحلية والسلطة المركزية، فيما بتعلق ببناء الميزانية وصرفها وآفاق وإمكانات ومصادر التمويل، غير أن المبدأ لدى كل الأطر هو العمل على زيادة المدخولات من جهة، وتخفيض المصروفات بدون المس بمستوى الخدمة، من جهة ثانية، وتخصيص ما يتوفر من زيادة المدخول ومن تخفيض المصاريف، لتقديم خدمات إضافية. وبالنسبة للسلطة المحلية، التي لا تملك حرية التصرف مثل الأسرة وإنما ملتزمة بمعايير مختلفة وميزانيتها مشروطة بمصادقة وزارة الداخلية، فهي ملزمة بتقديم خدمات أساس لا يمكن الاستغناء عنها، وإحدى مهماتها هي السعي إلى رفع مستوى هذه الخدمات والعمل من أجل فتح الباب لتقديم خدمات إضافية، كما أسلفنا. وتعتمد السلطة المحلية في الأساس على ما يسمى "الميزانية العادية" وميزانيات التطوير ("ميزانيات غير عادية") وهو ما سنعود إليه بالتفصيل في حلقة لاحقة. في الحلقة القادمة، سنبدأ باستعراض المجالات المختلفة التي يعمل فيها المجلس المحلي، وخصوصا في السنوات الخمس الماضية، وسوف نتوقف عند الوضع المالي، مصادر المدخولات، والمشاريع المختلفة التي عملنا فيها، بما فيها مسائل تشغل الجمهور. من بينها مشاريع البنية التحتية، والبنى الفوقية والمشاريع التي بدأنا فيها والمشاريع التي حان الوقت لتكريس الطاقات بشكل مكثف للشروع فيها، وعلى رأسها تحسين أداء الجهاز البلدي. كما سنعرض لمسألة ضريبة الأرنونا بكل جوانبها، ومسألة الإنضمام لرابطة المياه والمجاري "פלג הגליל״ ومشروع "شميد" ومشروع "بلد بلا عنف" و"مركز لاهابا" (להב״ה״) والرياضة والأعمال الجارية لرفع مستوى المنطقة الصناعية ودفع هذه المسألة إلى أمام، وغيرها من المواضيع. وسوف نتوقف عند قضايا الأزواج الشابة والخارطة الهيكلية والخرائط التفصيلية بأشكالها ومسألة مناطق النفوذ بمركباتها والنقص في الاراضي للمصلحة العامة في بعض الأحياء والمساعي للتغلب على هذه العراقيل. بقي أن أؤكد أن الشروحات العامة التي قدمناها في هذه الحلقة والحلقة الماضية تهدف إلى وضعنا في الصورة بالشكل الصحيح. ولا تتوقعوا مني أن أناقش كل ما ينشر، بما في ذلك ما نشر من تفاصيل غير صحيحة وحتى مسيئة، ولست أهدف ألى التفاخر والتباهي بما أنجزناه (وقد أنجزنا الكثير وأمامنا عمل كثير ومهمات شاقة). لكنني أرى من واجبي أن أقنع الجمهور بالتفاؤل. صحيح أنه أمامنا مهمات كثيرة وهامة، مركبة وشاقة، لكننا بالتعاون والشراكة والعمل العصري والمسؤول، سنقود المغار إلى وضع أفضل بكثير. إلى اللقاء في الحلقة القادمة وما يليها، حيث سنبدأ في الدخول في التفاصيل. فتابعونا، وفقكم الله جميعا وهدانا جميعا إلى درب الصواب.

مُلاحظة : بناءً على طلب صاحب المقال، رئيس المجلس المُحامي فريد غانم لن ننشر تعقيبات الزّوار على هذا المقال إيجابية كانت أو سلبية.

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 1853